هنري كوربان - ابن عربي - صورة المحبوب في ترجمان الأشواق

هنري كوربان - ابن عربي - صورة المحبوب في ترجمان الأشواق

صورة المحبوب في ترجمان الأشواق-->

هنري كوربان
ترجمة: فريد الزاهي
--> القصيدة الحكمية للعاشق الصوفي


في مستهل الديوان الذي عنوانه ابن عربي ب'ترجمان الأشواق' يسرد ظروف تأليفه كما يلي: 'إني لما نزلت مكة سنة خمسمائة وثمان وتسعين (1201م)، ألفيت بها جماعة من الفضلاء، وعصابة من الأكابر الأدباء والصلحاء بين رجال ونساء، ولم أر فيهم مع فضلهم مشغولا بنفسه، مشغوفا فيما بين يومه وأمسه، مثل الشيخ العالم الإمام، بمقام ابراهيم عليه السلام، نزيل مكة البلد الأمين مكين الدين أبي شجاع زاهر بن رستم بن أبي الرجا الأصفهاني، رحمه الله تعالي، وأخته المسنة العالمة شيخة الحجاز فخر النساء بنت رستم'. وهنا يفصل ابن عربي في ذكريات عديدة رائعة بالكثير من المحاباة، مشيرا من بين ما يشير له إلي الكتب التي درسها بتتلمذ علي الشيخ وبصحبة أخت هذا الاخير. وكل هذا ليس سوي مدخل للسبب الذي كان وراء نظم القصائد التي يشملها الديوان.
ومن بين جماعة الفضلاء الذين كانوا يرتادون دار تلك العائلة الفارسية المستقرة في مكة، تبدو صورة نورانية متميزة غاية التميز. والنص من تلك الفصيلة التي لاتقبل الاختصار: 'وكان لهذا الشيخ، رضي الله عنه، بنت عذراء، طفيلة هيفاء، تقيد النظر، وتزين المحّاضر والجمحاضر، وتحير المناظر، تسمي بالنظام وتلقب بعين الشمس والبها، من العابدات العالميات السايحات الزاهدات شيخة الجرمين، وتربية البلد الأمين الاعظم بلا مّيْن، ساحرة الطرف، عراقية الظرف، إن أسهبت أتعبت، وان أوجزت أعجزت، وان أفصحت أوضحت. أن نطقت خرس قس بن ساعدة، وأن كرمت خنس معن بن زائدة، وأن وفت قصر السموأل خطاه، وأغري بظهر الغرر وامتطاه. ولولا النفوس الضعيفة السريعة الأمراض، السيئة الاغراض، لأخذت في شرح ما أودع الله تعالي في خلقها من الحسن، وفي خلقها الذي هو روضة المزن، شمس بين العلماء، بستان بين الأدباء، حقة مختومة واسطة عقد منظومة. يتيمة دهرها، كريمة عصرها، سابغة الكرم... فراعينا في صحبتها كريم ذاتها مع انا انضاف إلي ذلك من صحبة العمة والوالد، فقلدناها من نظمنا في هذا الكتاب أحسن القائد بلسان النسيب الرائق، وعبارات الغزل اللائق. ولم أبلغ في ذلك بعض ما تجده النفس، ويثيره الأنس، من كريم ودها، وقديم عهدها، ولطافة معناها، وطهارة معناها. إذ هي السؤال والمأمول، والعذراء البتول، ولكن نظمنا فيها بعض خاطر الاشتياق، من تلك الذخائر والأعلاق. فأعربت عن نفس تواقة، ونبهت علي ما عندنا من العلاقة، اهتماما بالأمر القديم، وإيثارا لمجلسها الكريم'.
لكن، إليكم الآن التعاليم الحاسمة التي تكشف عن فحوي القصيدة، والمقاصد التي علي القاريء أن يتمثلها في قراءته: 'فكل اسم أذكره في هذا الجزء فعنها أكني، وكل دار أندبها فدارها أعني، ولم أزل فيما نظمته في هذا الجزء علي الإيماء إلي الواردات الإلهية، والنزلات الروحانية، والمناسبات العلوية، جريا علي طريقتنا المثلي، فإن الآخرة خير لنا من الأولي، ولعلمها، رضي الله عنها، بما أشير إليه، ولاينبئك مثل خبير'. ومن ثم هذا التحذير الصارم: 'والله يعصم قاريء هذا الديوان من سبق خاطره إلي ما لايليق بالنفوس الأبية، والهمم العلية، المتعلقة بالأمور السماوية، آمين بعزة من لارب له...'.
ربما كان ذلك في التحذير الكثير من التفاؤل، ذلك أن مريد يزن له أبلغاه ما سمعاه من بعض الفقهاء من مدينة حلب. فقد أنكروا عليه أن يكن لك من الأسرار الإلهية، وأن الشيخ يتستر علي الحب الحسي لأنه منسوب إلي الصلاح والدين. وهكذا قر عزم ابن عربي علي أن يكتب بنفسه شرحا مطولا لديوانه كي يبين أن ما فيه من غزل وتشبيب وأن صورة المرأة التي تشكل محوره المهين هي منه إشارة 'إلي معارف ربانية، وأنوار إلهية، وأسرار روحانية، وعلوم عقلية، وتنبيهات شرعية، وجعلت العبارة عن ذلك بلسان الغزل تنعشق النفوس بهذه العبارات فتتوفر الدواعي علي الإصغاء إليها'...
ولفهمه، ولكي لايتم التشكيك في سلامة النية بنقد مبالغ فيه، علينا أن نمسك هنا بما يمكن تسميته بنمط الإدراك الشهودي الذي يميز وعي العاشقين وأرباب الهوي، الذين يغدو السعي إلي الكشف عن أسرار رؤياهم من دون هذا المفتاح أمرا نافلا. ولايمكننا إلا الضلال اذا ما نحن تساءلنا، كما تم ذلك بخصوص صورة بياتريس لدي دانتي: أهي صورة محسوسة، أم هي تمثيل؟ فاذا لم يكن بالامكان معرفة الاسم الإلهي إلا في شكله المحسوس الذي يشكل تجليا له، فهذا يعني أن كل صورة إلهية أصلية لايمكن تأملها إلا في صورة عينية محسوسة أو تصورية وحين يعلن ابن عربي عن إشارته إلي الفتاة النظام، باعتبارها إشارة إلي الحكمة العلوية التي تجلت له شهودا، فنحن نكون شاهدين علي تحولات كائن يدركه الخيال مباشرة في المستوي الرفيع للرمز، مسندا إياه إلي نور للتجلي، أي إلي نور يكشف فيه عن البعد الماورائي. فمنذ البداية، يتم إدراك الفتاة من قبل الخيال في المستوي الشهودي، حيث تظهر باعتبارها صورة مثالية للحكمة الخالدة. وما تدخلها منذ مستهل القصيدة إلا في هذا الشكل والصورة.
وحين نتأمل الحدث المركزي لهذا الاستهلال، نفاجأ بدءا ب'تشكيلة المكان':
فالوقت ليل، والمؤلف يطوف بالكعبة، وسيكشف هو نفسه فيما بعد أهمية الإشارة، فالحدث حين وضع في ليلة مشهودة يفصح عن طبيعته النبوئية. لقد حضرت المؤلف وهو يمشي علي الرمل بعض الأبيات التي أنشدها. فلم يشعر إلا بتجلي كائن لم يفطن له فيما قبل، سوف تمكننا الحكاية من أن نتعرف فيه علي الصورة العينية المحاطة بهالة سماوية. فتحدثت إليه بلهجة تنم عن مصدرها الإلهي وبتأنيب قاس يكشف عن سر الديانة الحكمية للحب. أما الأبيات التي كانت وراء هذا التأنيب فكم هي محيرة، بحيث لايمكننا فهمها إلا اذا علمنا في الآن نفسه من صاحبها سر لغة شبيهة باللغة الملتبسة 'للتروبادور. غير أننا نربح من ذلك سبيل فك حروف مجمل قصيدته باعتبارها احتفاء بلقاءاته مع الحكمة الصوفية، وباعتبارها سيرته الذاتية الباطنية، علي إيقاع قلقه ومسراته.
يقول الشاعر: 'كنت أطوف ذات ليلة بالبيت فطاب وقتي وهزني حال كنت أعرفه فخرجت من البلاط من أجل الناس وطفت علي الرمل فحضرتني أبيات فأنشدتها أسمع بها نفسي ومن يليني لو كان هناك أحد، وهي قوله:
ليت شعري هل دّروّا أي قلب ملكوا
وفؤادي لو دري أي شعب سلكوا
أتراهم سلموا أم تراهم هلكوا
حذر أرباب الهوي في الهوي وارتبكوا
فلم أشعر إلا بضربة بين كتفي بكف ألين من الخز، فالتفت فاذا بجارية من بنات الروم لم أر أحسن وجها ولا أعذب منطقا ولا أرق حاشية ولا الطف معني ولا أدق إشارة ولا أظرف محاورة منها، قد فاقت أهل زمانها ظرفا وأدبا وجمالا ومعرفة.
إننا بالتأكيد نتعرف علي الشبح في العتمة، لكن ليس لنا أن نخطيء، ففي حضرة المحبوبة، التي تجسدت له في تلك الليلة المشهودة، ما يراه الشاعر المتصوف بشكل تزامني هو الصورة المتعالية التي لايراها سواه، الصورة التي يعلن عنها جمالها المحسوس. ويكفيه ملمح رفيع واحد لاقتراح ذلك: فالفتاة الفارسية تعاش كما لو كانت أميرة إغريقية. وإذن فإن الحكمة التي تنبعث من نص الأشعار ومن شروحها تمكننا من هذا الملمح الرائع: إن المرأة التي يمنحها الشاعر وظيفة ملاكية، لأنها بالنسبة له التمظهر المرئي للحكمة الخالدة، تمتلك من حيث هي كذلك وجودا بالتجلي. وبهذا المعني فهي تشابه حالة المسيح كما يفهمها ابن عربي ومعه كل روحانيي الاسلام، أي تبعا لفكرة 'ظاهرية'، وبالأدق 'عيسوية ملائكية' كانت هي معتقد المسيحية القديمة. وبما أن الفتاة بدورها تمثيل لملك في صورة إنسانية، فذلك سبب وجيه لكي يعتبرها ابن عربي من 'سلالة المسيح'، مسميا إياها 'حكمة عيسوية' ومستنتجا أنها تنتمي لبلاد الروم، أي إلي المسيحية الإغريقية والبيزنطية. والحقيقة أن هذه التداعيات الذهنية لها نتائج بعيدة المدي علي حكمة مؤلفنا. بيد أن النقط الأولية التي تهمنا هنا هي أن الصورة المتجلاة قد تم التعرف عليها باعتبارها صورة الحكمة أو الحكمة الإلهية، وبهذه المرجعية والمرتبة سوف تخبر محبوبها.
وللوقوف علي قيمة تعاليمها، علينا، بمعونة الشاعر، أن نفك شيئا ما معني الأبيات الأربعة التي حضرته علي إيقاع تجواله الليلي، والتي صيغت، مثلها في ذلك مثل كل أشعار 'ترجمان الاشواق' بلغة ملتبسة خاصة. علام يحيل ضمير الغائب الجمع؟
فنحن نعرف من خلال شرحه أنه يشير إلي المناظر العلا. واذا ما نحن ترجمناها ببساطة 'بالأفكار الإلهية' فإننا قد نقف عند حد المستوي الفلسفي المفهومي. وتدعونا السياقات إلي أن نري فيها تلك الصور التي تعتبر حكما، وحكمة فردية مخصوصة في كل منها بأحد الأنبياء السبعة والعشرين الممثلين في كتاب الفصوص، وهي الحكم التي تهيم فيها الأرواح في الأزل، كما تهيم فيها في الزمن قلوب المتصوفة.
وهكذا فإن معني القضايا التي يطرحها الشاعر يتضح اذا ما نحن تذكرنا ما علمنا بخصوص سر الربوبية، السر الذي هو انت، أي مألوهية العبد، لأن هذه الأخيرة تقيم إله اعتقاده وحبه، ذلك الإله الذي يغذيه بماهية وجوده، كما ابراهيم حين قدم القري، أي المأكل والمشرب للغرباء، ولأنه في وجوده وبه، يمنح قواما للاسم الإلهي الذي يتشبع به منذ الأزل والذي هو ربه المخصوص به، وهذا ما يحس به المتصوف ويعرفه في الساعات المفضلة من حياته الروحية، من دون أي ضمان آخر غير هذا الوجد الفاعلي الذي يمنحه هذا الحضور أو بالأحري الذي هو هذا الحضور، ذلك ان الحب لايطرح الاسئلة. ومع ذلك تأتي ساعات التعب أو الهدأة حيث يقوم العقل المتعقل، من خلال التمييزات التي يأتي بها والبراهين التي يتطلبها، بإدخال الشك بين الرب والعبد ومعه خطر تكسير الرابطة التي تجمع بينهما. وهكذا لايعود للعبد القدرة علي تغذية ربه من وجوده: فيفقد الوعي بسرهما الذي هو فناؤهما الواحد في الآخر. ومثلما يفعل ذلك العقل النقدي حين يتحري عن موضوعه يقوم بطرح السؤال: إذا كانت 'المناظر العلي' هي من جوهره نفسه، فهل تستطيع معرفة أي 'قلب غشين؟' أي، هذا الرب الإلهي الذي أغذيه من وجودي هل له معرفة بي؟ الا يكون امره مثل المقامات الصوفية التي لاتوجد إلا بالمقيم فيها؟ وبما أن الزيارات الروحانية قد انتهت، الا تكون في احسن الأحوال أخذت مسارا جبليا يقودها الي قلوب متصوفة آخرين، أو انها هلكت وعادت الي اللاوجود؟
مسار الكآبة العارضة هذا هو ما تقاطعه فجأة بتأنيبها الحكمة الصوفية التي انشقت من الليل نفسه الذي يغذي هذا الحلم الذي لامخرج له. فقالت له الفتاة: 'ياسيدي كيف قلت؟ فقلت:

-->--> ليت شعري هل دروا
أي قلب ملكوا؟
فقالت: عجبا منك! وأنت عارف زمانك تقول مثل هذا! أليس كل مملوك معروفا، وهل يصح الملك إلا بعد المعرفة وتمني الشعور يؤذن بعدمها والطريق لسان صدق فكيف يجوز لمثلك أن يقول مثل هذا؟ قل ياسيدي فماذا قلت بعده؟ فقلت:
وفؤادي لو دري
أي شعب سلكوا
فقالت: ياسيدي الشعب الذي بين الشغاف والفؤاد هو المانع له من المعرفة فكيف يتمني مثلك مالا يمكن الوصول اليه إلا بعد المعرفة؟ والطريق لسان صدق فكيف يجوز لمثلك أن يقول مثل هذا ياسيدي؟ فماذا قلت بعده؟ فقلت:
أتراهم سلموا
أم تراهم هلكوا
فقالت: أما هم فسلموا ولكن اسأل عنك، فيبغي أن تسأل نفسك هل سلمت أم هلكت ياسيدي؟
وحين عمدت 'الحكمة' إلي قلب السؤال وإعادته لصاحبه بلا هوادة فذلك لتنبه مريدها الي حقيقة حالة الصوفي. فقد انصاع للحظة الي شك الفلاسفة، فطرح اسئلة كان عليه ان يجد لها جوابا في البراهين العقلية من قبيل تلك المتعلقة بالأشياء الخارجية. وتناسي للحظة أن واقع التجليات والوضع الوجودي 'للمناظر العلي'، لدي الصوفي، لايتعلق بالأمانة لقوانين المنطق وانما بالأمانة لعبادة الحب. فليس عنها يلزم التساؤل إن كانت قد هلكت وإنما أنت الذي يلزم أن نعرف إن كنت هلكت أم ماتزال حيا، وإذا كنت قادرا علي التجاوب معها وتمكينها من أن تغشي وجودك. وهنا يكمن الاختلاف: فما يسمي لدي الفيلسوف شكا واستحالة البرهنة، يسمي لدي المشغوف غيابا ومجاهدة. فيمكن للمحبوب الصوفي ان يفضل الغياب والفراق في الوقت الذي يرغب فيه مشغوفه في الوحدة والوصال، ومع ذلك أليس عليه محبة ما يحب المحبوب؟ وهاهو واقع في الحيرة وقد احاط به خطر الهلاك بالضدين.
تلكم هي النقطة الحاسمة التي تنهي بها 'الحكمة' تعليم مشغوفها بصرامة متكبرة وهيمانة في الآن نفسه. 'فما قلت بعده؟ فقلت:
حار أرباب الهوي
في الهوي وارتبكوا
فصاحت وقالت: ياعجبا كيف يبقي للمشغوف فضلة يحار بها والهوي شأنه التعميم يخدر الحواس ويذهب العقول ويدهش الخواطر ويذهب بصاحبه في الذاهبين فأين الحيرة وما هنا باق فيحار والطريق لسان صدق والتجوز من مثلك غير لائق؟'.
إن هذا التأنيب الذي ينتهي بالعتاب الصارم، يفصح عن جوهر ما يتعلق بديانة العاشقين. وما لايقل جوهرية عن ذلك هو أن ديانة الحب الصوفي، من خلال الوظيفة التي تتمتع بها تلك التي تفصح عن ضرورتها في تلك الليلة الروحانية في ظل الكعبة، قد تم ربطها بحكمة عرفانية معينة، أي بالفكرة الحكمية الصوفية.
ومن هذا الاستهلال الحكائي الذي وضع في مقدمة الديوان من قبل 'ترجمان الأشواق'، نخرج بعلامتين سوف تشكلان لنا مرشدا للوصول ببحثنا هذا إلي منتهاه.
إننا نلاحظ في المقام الأول المقدرة الشهودية لعاشق مشغوف من قبيل ابن عربي، وقد اضفي علي الشكل العيني للمحبوب وظيفة ملائكية، وأدرك في قلب تأملاته تلك الصورة في مستوي رؤية التجليات. كيف تكون تلك الرؤية التي نلح هنا علي طابعها الوحدوي والمباشر ممكنة؟ للإجابة علي هذا السؤال علينا تتبع تنامي جدلية الحب كما بسطها ابن عربي في باب من كتابه الضخم الفتوحات المكية: فستسعي تلك الجدلية بالأساس إلي الإحساس بتناسب اللامرئي والمرئي، والروحي والمحسوس، وهو التناسب الذي سيعبر عنه جلال الدين الرومي بالكلمة الفارسية 'هام دامي'، فوحده ذلك 'التواطؤ' يمكن من الرؤية الروحية للمحسوس والرؤية الحسية للروحي، باعتبارها رؤية اللامرئي في صورة محسوسة، كما لاتدركها احدي الملكات الحسية، وإنما الخيال باعتباره عضو إدراك التجليات.
وفي المقام الثاني، يكشف لنا الاستهلال عن تجربة نفسية وروحانية أساسية للحياة الباطنية لشيخنا. إنها اللقاء مع الحكمة الصوفية التي تعلن لنا من البدء عن المصطلح الذي يقودنا لجدلية الحب: أي فكرة الكائن الأنوثي (الذي تشكل الحكمة نموذجه الأصل) باعتباره التجلي بامتياز، والذي لايقبل الإدراك إلا في التناسب بين السماوي والأرضي (ذلك التناسب الذي أعلنته لبروكلوس صلاة عباد الشمس). لقاء الجمال والرحمة هو سر الخلق، بما أن 'التناسب' الإلهي اذا كان خلاقا فذلك لأن الذات الإلهية ترغب في الكشف عن جمالها، واذا كان الجمال مخلصا للخليقة فذلك لأنه يعلن عن تلك الرحمة الخلاقة. واذن فإن الكائن الذي يحمل في طبيعته وظيفة الجمال المتجلي تلك هو الذي سيقدم الصورة الأكمل للألوهية. ومن هذا الحدس ستنبع فكرة الأنوثي الخلاق، لا كموضوع فقط وإنما باعتباره صورة مثالية للعبادة التفاعلية للعاشق. فتوافق الروحاني والمحسوس كما يتحقق في تلك الصورة سيقود الي مفارقات رائعة، ومن ثم تنبع صورة مريم باعتبارها نموذج المتصوف، الذي يحدد ملامح 'الحكمة العيسوية' التي لاتزال تختفي تحت رموز واشارات 'ترجمان الأشواق'، ذلك انها هي التي تملك في الواقع سر الربوبية الذي حللناه آنفا'.
جدلية الحب
يعتبر ابن عربي (ومعه روزبهان الشيرازي)، من بين كل مشايخ التصوف، أحد أولئك الذين دفعوا الي ابعد حد تحليل ظواهر الحب، فقد بلور فيها جدلية شخصية، قمينة بان تكشف لنا عن مآل الفناء الشامل الذي دعا إليه 'العاشقون'. ومن صلب مارسمنا ملامحه هنا ينبثق السؤال التالي: ما الذي تعنيه محبة الله؟ وكيف هو ممكن حب الله؟ انها تعابير تستخدمها اللغة الدينية في مجالات اخري كما لو كانت بديهيات. والحال ان الأمر ليس بهذه البساطة. فابن عربي يتقدم بنا عبر ملاحظة مزدوجة: 'فوالله لولا الشريعة التي جاءت بالأخبار الإلهي ما عرف الله أحد ولو بقينا مع الأدلة العقلية التي دلت في زعم العقلاء علي العلم بذاته بأنه ليس كذا ما أحبه مخلوق. فلما جاء الخبر الآلهي بألسنة الشرائع بأنه سبحانه كذا وأنه من أمور تناقض الألة العقلية أحببناه لهذه الصفات الثبوتية'. وبعد ذلك للديانة ان تقول لنا أن ليس كمثله شيء. ومن ناحية اخري لايمكن معرفة الله إلا فيما نحسه منه، بحيث 'نمثله تعالي ونجعله نصب أعيننا في قلوبنا وفي قبلتنا وفي خيالنا كأننا نراه لا بل نراه فينا... فهو الظاهر في كل محبوب لعين كل محب... كما انه لم يعبد سواه فإنه ماعبد من عبد إلا بتخيل الألوهية فيه... وكذلك الحب ما أحب أحد غير خالقه.. وحياة ابن عربي تقدم لنا بصدد هذه النقط كلها ضمانة تجربة شخصية'.
لكن المحبوب الأحد إذا كان لايري أبدا إلا الصورة التي تكون له مظهرا، وإذا كان في كل مرة أحدا لكل واحد فذلك لأن هذه الصورة تكشف عنه وتخفيه في الآن نفسه لأنه لايزال فوق. كيف إذن يكشف عن نفسه هناك إذا كانت الصورة فعلا تخفيه وانه إذا ما حرم منها لايمكنه الظهور؟ أي علاقة بين المحبوب الواقعي والصورة المحسوسة التي تجعله مرئيا؟ ينبغي أن يكون بينهما ضرب من التنفس المشترك con-spiration ('هام دامي' بالفارسية)، أي تفاعلا sym-pathie. وإذن، أي نوع من الحب يتوجه في الواقع إلي ذلك الشكل الذي يظهره؟ متي يكون هذا الحب حقا ومتي يكون خاطئا حين يشغف وفي الأخير من هو المحبوب الواقعي، لكن أيضا من هو المحب في الواقع؟.

-->--> تجيب عن هذه الاسئلة بشكل تجريبي مجمل مؤلفات ابن عربي. ولنسترشد علي الأقل، لتبيان فحواها، بما تأملناه لحد الآن وما يمكننا ترداده كما يلي. إن ما نسميه 'حبا إلهيا' له 'مظهران' فهو، من جانب، شوق الخالق للخلق وحنين الحق في جوهره (الكنز الذي لايعرف) التائق إلي الظهور في الموجودات لكي ينكشف لها وبها: ومن جانب آخر شوق المخلوق للخالق، وهو في الواقع نفس الرحمن الظاهر في الموجودات والتائق إلي العودة لذاته. وفي الواقع فإن المشتاق هو في الآن نفسه المشتاق إليه، بالرغم من انه ليس هو في تعٌينه. إنهما ليسا موجودين متباينين ومختلفين وإنما هما موجود يلاقي نفسه (في الآن نفسه واحدا واثنين، ووحدة ثنائية، وهو ما يتم في الغالب تناسيه). إنه الشوق نفسه الذي يكون في أصل الظهور وسببا في العودة. وإذا كان شوق الخالق أكبر فلأن الخالق يعيش ذلك الشوق في مظهريه معا اما المخلوق فلا يعيشه إلا في مظهره أو جانبه الثاني. فالخالق هو الذي يحدد في شكل العبد ويتوق إلي نفسه لأنه المصدر والأصل الذي يتوق إلي ذلك الشكل المحدد، وإلي تجليه الإنسي. وهكذا يوجد الحب بشكل أبدي باعتباره حوارا وتبادلا للمواقع بين الخالق والمخلوق: فالحنين والاشتياق الرحماني واللقاء توجد أزلا وتحدد دائرة الوجود. وكل واحد منا يفهمها تبعا لمرتبة وجوده الخاصة وقدراته الروحانية. وهذا اللقاء، تمتع به البعض من قبيل ابن عربي بالمشاهدة لأوقات طويلة. ولدي كل الذين تذوقوه وفهموه يتعلق الأمر بتوق إلي مشاهدة الجمال الإلهي الذي يصبح كل لحظة في شكل جديد (الأيام الإلهية التي يتحدث عنها 'ترجمان الأشواق')، وهو الشوق اللامتناهي الذي يشير اليه ابويزيد البسطامي بقوله إنه شرب شراب المحبة والهوي فما كل وما ارتوي.
إن هذه العلاقة الصميمة بالحب الإلهي هي التي تمثل لها العلاقة بين كل إنسان وربه كما حللناها سابقا. وانطلاقا من هنا يمكننا، باتباع تأويلات ابن عربي والاسئلة التي يطرحها علي نفسه، التقدم نحو مرمانا، أي توضيح كيف أن الوحدة الصوفية باعتبارها وحدة تفاعلية (أي تقاسم ذلك الانفعال والوجد المتبادلين اللذين يجعلان وجود الرب ووجود العبد العاشق متضامنا ومكونا لوحدة يضعفها الوجد الجوهري الي طرفين يتوق احدهما الي الآخر، أي ثنائية قطبية تتضمن الخالق والمخلوق)، وكيف أن الوفاء في الحب الذي يغذي ويضمن تلك 'الربوبية' وهو يلحم بين الطرفين الجوهريين فيه، يبدو لنا من ثم كعبادة تفاعلية. ما الذي تكشف لنا عنه جدلية الحب التي تلهم ما قمنا بموضعته هنا بهذا الشكل؟ وكيف سيكون نمط الوجود الذي يحقق وينمذج هذا 'الفناء'؟
وبما ان الحب في جميع أشكاله، وباعتبار أن محركه هو الجمال، يتمثل موضوعه حصرا في الله، سواء أوعي بذلك أم لا: وبما أن 'الله جميل ويحب الجمال' وانكشف لذاته فأنتج العالم كمرآة يتأمل فيها صورته وجماله: وأخيرا بما انه قد جاء في القرآن 'قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله' (آل عمران، آية 31) فذلك لأن الله يحب في الواقع نفسه فيكم، إذا كان الأمر كذلك، فيبدو أن كل حب يتضمن في ذاته صفة الإلهي بشكل افتراضي من دون شك. لكن أن يتم افتراض راهنيته الفعلية فذلك يعني ان نفترض وجود بشرية تتكون حصرا من العاشقين والمشغوفين وأرباب الهوي أي من المتصوفة.
لهذا، من الملائم التمييز مع ابن عربي بين ثلاثة أنواع من الحب باعتبارها ثلاثة أنماط من الوجود:
أ­ ثمة حب إلهي باعتباره، من جهة، حب الخالق لخلقه الذي فيها ينخلق، أي الذي يتطلب الصورة الذي بها يتجلي، ومن جهة اخري، حب ذلك الخلق لخالقه، الذي ليس له غير شوق الإله المتجلي في الخلق، التائق الي العودة الي ذاته بعد ان تاق، باعتباره إلها خفيا، إلي أن يعرف في خلقه، وذلكم هو الحوار الأبدي الإلهي الإنساني.
ب­ ثمة حب روحاني، يجد مكانه في الخلق الساعي دوما الي البحث عن الوجود الذي يكتشف فيه صورة أو الذي يكتشف انه صورة له: إنه في الخلق، الحب الذي ليس له من هم آخر، وليس له من غرض أو إرادة غير مرضاة المحبوب، والاستجابة لما يرغب هذا الأخير فعله من خلال فعله من خلال عبده.
ج­ وثمة الحب الطبيعي، ذلك الذي يسعي إلي الامتلاك وتحقيق رغائبه من غير الاهتمام برضي المحبوب. يقول ابن عربي بهذا الصدد: 'وعلي هذا أكثر حب الناس اليوم'.
يتضمن هذا التصنيف علته الخاصة. فحين يختص بالخلق فهو يختلف عنه حين يعود الي الخالق، أي إلي من هو في الواقع ذاته وموضوعه، المحبوب والمحب. وحين يختص الحب بنا، تبعا لما يفترضه جوهرنا، الذي هو جسماني وروحاني، فهو يكون حبا روحانيا وحبا طبيعيا أوجسمانيا: وهو يتميز الي درجة متابعة أغراض تتعارض فيما بينها. والمسألة هي أولا في معرفة كيف يمكن المصالحة بين الحب الروحاني والحب الجسماني، حينما فقط تطرح مسألة الربط بين ذلك الحب الخلقي الذي تمت المصالحة بين وجهيه، والحب الإلهي الذي هو الحب في جوهره الحق: أي مسألة معرفة إذا كان من الممكن ان نحب الله بهذا الحب المزدوج، الروحاني والجسماني، بما ان الله ايضا لايكون مرئيا إلا في شكل عيني (خيالي ومحسوس)، أي شكل يمظهره. ومن الواجب المناسبة من جديد بين الروحاني والجسماني، كي يولد الحب باعتباره في الخلق المألوهية التي تستجيب للحنين الإلهي إلي أن يصبح معروفا، أي كي تتحقق الوحدة التضادية، أي الوحدة التفاعلية والفناء بين الرب والمربوب.
وسنخطو الخطوة الأولي حين نكون قد أجبنا علي السؤال التالي: أعلينا ان نتصور أننا نحبه له أم لأنفسنا؟ أم له ولانفسنا في الآن نفسه؟ فالمسألة لايمكنها أن تكون ذات معني وقابلة للحل إلا بشرط طرح السؤال الآخر الثاني: بمن نحن نحبه؟ أي، من هي الذات الحقيقية للحب؟ الحال أن السؤال الثاني هذا يحيل الي طرح مسألة الأصل ومنتهي أو غاية الحب، وهي مسألة كما يقول ابن عربي، ما سأله فيها أحد إلا امرأة لطيفة من أهل التصوف عف عن ذكر اسمها.
يتطلب الجواب عن السؤال الأول في الآن نفسه المصالحة بين الجانبين الروحي والطبيعي للحب. ويلاحظ ابن عربي أن الأكمل من بين المحبين المتصوفة هم اولئك الذين يحبون الله في الآن نفسه له ولأنفسهم، لأن هذه القدرة تكشف فيهم عن وحدة طبيعتهم المزدوجة (تجاوز 'الوعي الشقي' الذي يعيش تحت وطأة التمزقات). ومن له القدرة بعيشه لانه يجمع بين المعرفة الصوفية والشهود. لكن كل شهود في التجربة الصوفية، نمط من المعرفة يتطلب شكلا من الموضوع المجرب: وهذا الشكل بما أنه 'مركب' كذلك، فهو يطابق المحب. وما يقع فعلا هو ما يلي: بما أن النفس من بنية ثنائية، فحبها لله أو لأي كيان آخر، من حيث إن ذلك الحب ملهم بالأمل في أن يجد نفسه (أو بالخوف من إضاعة نفسه)، يصدر عن طبيعته الجسمانية: ومن حيث إن ذلك الحب لايرغب إلا في إضاعة نفسه)، يصدر عن طبيعته الجسمانية: ومن حيث إن ذلك الحب لايرغب إلا في مرضاة المحب، فإنه يصدر عن طبيعته الروحانية.

-->--> فبالعلاقة مع هذه الطبيعة الثنائية، ومن أجل 'الموافقة بين عنصريها' بالجمع بين شكلي الحب، تأتي دعوة وجهي النفس، وكون المحبوب الذي يعتبر نفسه بانه لايقبل القسمة، وبانه يرغب بألا تحب النفس سواه وله، وأن يظهر لها، فتتجلي له في صورة طبيعة. وهو يمنحها علامة ليعلمها بالتأكيد بانه هو الذي يظهر لها في تلك الصورة، وأنه يستحيل علي النفس ان تنكر ذلك علي نفسها. صحيح انها ليست علامة محكومة بالحواس، وإنما بحاسة اخري: يتعلق الأمر بمعرفة مباشرة بداهة أي بعلم ضروري. وهكذا تدرك النفس ذلك التجلي، فتدرك ان المحبوب هو تلك الصورة الجسمانية (المحسوسة أو الذهنية، التي يتعرف عليها الخيال): فيتم اقتيادها نحوها، في الآن نفسه في طبيعتها الروحانية وفي طبيعتها الجسمانية. ف'تشهد' النفس ربها، وتعي بانها تراه في تلك الصورة الوجدانية التي تقدم لملكاتها الباطنة، فلا تستطيع غير ان تحبه لنفسه: انه حب 'جسماني' لانه يدرك الصورة عينية ويتأملها، وهو في الوقت نفسه حب روحاني لأن النفس لاتقصد تملك تلك الصورة وإنما ترغب في ان تستبطنها كلية. إن هذا الجمع بين الحب الروحاني والحب الطبيعي، بتحول الواحد منهما في الآخر، يصف وصفا حقيقيا الحب الصوفي.
بيد أن هذا الجموح الرائع يمكنه أن يرتد ضد نفسه باعتباره يتجاوز طاقات جهده اذا لم يحس المتصوف في الوقت ذاته من هي الذات الواقعية التي تفعل فيه هذا الحب، اي من هو المحب الفعلي. وهكذا فإن هذه المسألة تحل قبليا المسألة التالية: من هو العاشق الفعلي؟ ويأتينا الجواب بالغ الدقة: تعي النفس بأنها 'تري' الله لا بها وإنما به، فهي لاتحب إلا به لابنفسها: وهي تري الله في كل المخلوقات لابعينها وإنما باعتبارها العين التي بها يراها بها الله. إن 'رب هواها' هو الصورة الفاعلة فيها، عضو إدراكها هي، في الوقت الذي تكون فيه النفس عضو إدراكه هو. فالعين التي تري بها.
النفس ربها هي العين التي يراها بها. وتناسبه مع المخلوقات هو ذلك التجلي الذي تحسه في ذاته، والهوي الذي يعمله فيها ذلك الحضور والذي يشكل لها برهانا عليه. فهي لاتنظر ولا تحب بذاتها ولا بالاثنين وانما به لوحده. وهكذا باعتبارها عضوه هو، هو الذي يتطلب فناء كاملا يتقاسم مع رحمته، فكيف نحب أحدا غيره؟ أنه الطالب والمطلوب والمحب والمحبوب.
إن الإفصاح عن هذه الهوية يعني ببساطة التذكير بحنين 'الكنز المخفي' 'التواق إلي أن يعدو معروفا، وهو الحنين الذي يعتبر سر الخلق. فالحق يكون رحيما مع ذاته حين يسبغ رحمته علي غمة اسمائها، وعلي غمة وجودنا الضمني الذي يسعي الي اظهاره والاصل الأول لحبه لنا هو 'مخلوقاته'. بالمقابل، فإن الحب الذي تكنه له هذه الموجودات، قبل ان تعرفه، ليس سوي حركة وجوده في وجودها بالحب الذي يكنه لها، حين حررها من أنظارها وصرف وجودها في فعل الامر (كن). هنا بالضبط يكشف ابن عربي عن علة العاطفة التي تهز كياننا عند سماع الموسيقي، ذلك ان ثمة تناسبا بين جواب امكاننا الازلي للامر الذي ايقظها للوجود وحدسنا للامكانات التي يثيرها فينا الانشاد ويحررها في دواخلنا. لكن علينا الا ننسي انه اذا كان المحب والمحبوب، فذلكم لانه من جوهره ان يكون هذا وذاك، وان يكون من ثم العبد والمعبود، هو حوار أزلي للواحد والاخر وثنائية وحدودية جوهرية نتناساها حين نختزل ببساطة مذهب ابن عربي في ما يعرف بالحلول الفلسفي او وحدة الوجود.
وفعلا فان مقولاتنا الفلسفية المعتادة تعدو خائبة، كما تغدو خائبة معها كذلك مقولاتنا اللاهوتية والفقهية الرسمية إذا نحن اردنا ان نتفحص بها حكمة كحكمة ابن عربي وتلامذته. كما انه من المستحيل أيضا أدراك الحوار الذي تقيمه تلك الحكمة اذا ما نحن عاندنا في ارجاعها الي ما نسميه في الغرب 'وحدة الوجود'. كما انه من المستحيل ادراك ترابط المادي والروحاني في مستوي التجليات، بل اكثر من ذلك ادراك كيف ان مريم يمكنها ان تكون بدل المتصوف، اذا ما نحن فكرنا بمصطلحات التجسيد (بالمعني الوثوقي الذي منحته المسيحية لهذه الكلمة) ثمة بنية جوهرية من اللازم ملاحظتها، وتتمثل في ترابط حميم من جهة بين الظاهرية اللاهوتية التي هي ظاهرية الباطنية في الإسلام (في العيسوية التي ثم نقلها الي النبوئية والإمامية)، ومن جهة اخري الفكرة الشهودية للحب التي يدعو لها متصوفتنا. وإذا كان لنا ان نتحدث هنا عن ذات متجسدة، فإننا لن نلاقيها في مستوي الموجودات المتحققة ماديا، والأحداث المنجزة والمكتسبة نهائيا ولكن دوما فيما وراء ذلك اي الماوراء او الغيب الذي نعلن عنه التجليات لان 'الواقع' الحقيقي هو الحدث الباطن الذي يحدث في كل نفس بالصورة الحسية التي يشدها اليه فما يلزم هنا هو ملكة للإدراك والوساطة مخالفة تماما للبرهنة العقلية او التاريخية التي تبت في المعطيات المحسوسة المكتسبة تلك التي تنتمي للمعتقدات المحددة عقليا او للحوادث التاريخية المادية التي لارجعة فيها. هذه الملكة الوسيطة تمارس الوحدة الشهودية للإلهي والانساني لا في واقع معطي ومحدد سلفا، وهذه المصالحة بين الروحاني والطبيعي هي التي كما رأينا تشرط الحب الكامل، أي الحب الصوفي. هذه الملكة الوسيطة هي ذلك الخيال الفاعل او الخلاق الذي يحدده ابن عربي 'كحضرة' أو 'حضرة خيالية'. وربما كان علينا في اللغة الفرنسية ابتكار كلمة جديدة للحفاظ علي تلك 'الحضرة' وتفادي كل خلط مع المعني الجاري لكلمة 'تخيلية'، وانا اميل هنا الي كلمة المتخيلة T,imaginatrice.
فبواسطتها تبلغ جدلية الحب مرحلة ان يظهروا في شكل مادي، وهذه الصورة يمكنها ان تكون صورة محسوسة تحولها الحضرة الخيالية الي صورة شهودية، أو 'صورة تجل' يدركها الخيال وحده، من دون وساطة معطي محسوس لحظة المشاهدة. إن المحبوب الواقعي هو ما يظهر في هذه الصورة الشهودية ولا يمكنه أن يظهر الا في هذه الصورة التي تكشفه وتحجبه في الآن نفسه، والتي بدونها سيكون محروما من كل وجود عيني ومن كل علاقة فالمحبوب الواقعي واللامرئي بالضرورة ممثل في صورة محسومة صادرة عن الحضرة الخيالية. وهو يبلغ من خلالها نمط وجود تدركه نظرة تلك الملكة السامية. بهذا المعني فالصورة المحسوسة التي يتوجه نحوها الفعل الإرادي للحب تسمي المحبوب، وهي محبوب بالمعني الذي يكون به ماهو محبوب فيها فعلا شيئا تظهره باعتبارها صورة له، لكنه شيء ليس فيها معطي فعليا، بالرغم من الوهم المقابل للحب الطبيعي العادي، الذي لايهتم الا بنفسه، ولايسعي سوي إلي إمتلاك ما يظنه معطي له كموضوع.
هذا المعدوم، ليس مع ذلك عدما خالصا وبسيطا فلا يمكننا أن نتصور عدما يمارس تأثيرا ما: خاصة اذا كان يتمتع بوظيفة شهودية. انه شيء لم يوجد بعد في الشكل المحسوس للمحبوب، شيء لم يحدث بعد، ويسعي المحب بكل قواه الي ايجاده واحداثه. وهنا بالضبط تأخذ وظيفة الحب الانساني مصدرها، تلك الوظيفة التي تضمن التحام ما سمي تاريخيا حبا عذريا وحبا صوفيا. فالحب يسعي الي تحويل صورة الشخص المحبوب الدنيوي، باسناده الي نور يولد فيه كل الامكانات الخارقة، حتي تغشاه بالوظيفة الشهودية للملاك (وذلك كان حال الصور الأنوثية التي تغني بها العاشقون تابعو وانتي: وذلك كان حال تلك التي ظهر لابن عربي بمكة في صورة الحكمة الإلهية) ولم يزل تحليل ابن عربي يتعمق اكثر فاكثر فحين يسعي المحب الي رؤية المحبوب والاتحاد به، وتأييد حضوره، فإن حبه يسعي دوما الي ايجاد شيء ليس بعد موجودا في المحبوب. والموضوع الواقعي ليس هو ما حصل عليه وانما الدوام والاستمرار. بيد ان الدوام والاستمرار او التكرار هو شيء غير موجود، انه ما ليس بعد، أي مالم يدخل بعد في الوجود، وفي فئة الواقعي. فموضوع الالتحام العاشق في اللحظة التي يحصل فيها المحب علي حال الوصلة، هو شيء غير موجود بعد، ومعه لا وجود لاستمرار ودوام ذلك الوصال. وكما تقترح ذلك، علي شيخنا، الآية الكريمة المصوغة في المستقبل 'سيأتي الله بقوم يحبهم ويحبونه' (سورة المائدةم الآية 56)، فان فعل الحب لايني يستشرف شيئا لايزال في عداد الغياب، ولايزال محروما من الوجود، وهكذا دواليك، حتي النهاية. وكما نتحدث عن البعث المستقبلي فعلينا أسوة بذلك الحديث عن حب مستقبلي أو مؤجل.
وهكذا تدخل في لعبة الحب الصوفي باعتباره 'تآمرا' بين الروحاني والجسماني، تلك الطاقة المتخيلة أو الخيال الخلاف، الذي تلعب فيه النظرية دورا هاما جدا في التجربة الشهودية لابن عربي. انها باعتبارها ملكة تحول المحسوس، هي التي تملك سلطة اعلان 'الوظيفة الملائكية للموجودات' وفي هذا السياق، فهي تقوم بحركة مزدوجة: فمن جهة، تنزل الوقائع الروحانية حتي واقع الصورة (لكن ابدا تحت هذا المستوي، ذلك أن الوهم هو لدي مؤلفينا هؤلاء التركيز 'المادي' المتوافق مع الوقائع الروحانية). فهي تقيم بذلك ايضا التشبيه الوحيد الموافق للحق والخلق، وتحل المشكلات المطروحة آنفا: ما الذي يعنيه حب الله؟ كيف يحب المرء إلها لايراه؟ إن تلك الصورة هي التي تمكن المتصوف من التوافق مع المبدأ النبوي 'نحب ربك كأنك تراه'. ومن جهة ثانية، فتلك الصورة نفسها،

-->--> وبالرغم من انها مفصولة عن العالم المحسوس، ليست بغريبة عنه، ذلك ان الخيال اذا كان يقوم بتحويل المحسوسات فذلك لكي يسمو بها إلي صيغتها اللطيفة وغير القابلة للفساد.. هذه الحركة المزدوجة الذي ينزل الإلهي ويصعد بالمحسوس، هو ما يوافق ما يسميه ابن عربي في مكان اخر اشتقاقيا 'منازلة'، والخيال هو نفسه محل اللقاء الذي 'تنزل فيه معا' في 'المنزل' نفسه اللامحسوس الإلهي والمحسوس.
وإذن، فإن الخيال هو الذي يقيم التفاعل بين اللامرئي والمرئي، وبين الروحاني والجسماني فيها كما يقول ابن عربي تحب: 'موجودا تحب ظهور محبوبنا فيه من المحسوسات عالم الكتائف تلطفه بان نرفعه الي الخيال (أي صورة التجلي) لنكسوه حسنا فوق حسنه، وتجعله في حضرة لايمكنه الهجر معها، ولا الانتقال عنها، فلا يزال في اتصال دائم لهذا فالنظر الي درجة الواقع الموجودة في هذه الصورة الخيالية تتعلق درجة التجربة الروحانية، والعكس بالعكس في تلك الصورة يشهد المتصوف كمال وحسن محبوبة ويحققه في الواقع، ويعيش حضوره الباطن في نفسه. فمن غير هذا الاتصال في الخيال، ومن غير التحول الذي تقوم به فان كل اتصال ووصال مادي ليس سوي خدعة، ويعتبر ضلالا للفكر بالمقابل فان المشاهدات الخيالية يمكنها ان تبلغ من الحدة بحيث ان اي موجود مادي يمكن ان ينزلها الي ما تحت مستواها. ذلك كان حال مجنون ليلي، وهو حسب ابن عربي الطف المحبة.
فهو يفترض أن العاشق قد وعي ان تلك الصورة ليست خارجية عنه وانما هي باطنة في وجوده. بل انها هي عين وجوده، صورة الاسم الإلهي الذي اتي به مع نفسه حتي ولد للوجود وتغلق دائرة جدلية الحب علي هذه التجربة الاساسية 'المحبوب اقرب الي المحب من حبل الوريد'. وهو قرب مفرط بحيث يغدو من ثم حجابا. لهذا فان من لم يخبر التجربة الروحية، وسيطرت عليه الصورة التي غشية كيانه الباطن كله، فإنه يسعي للبحث عنها خارجه، وذلك في مسعي يائس من صورة لصورة محسوسة، إلي ان يعود الي مطرح روحه، فيدرك ان محبوبه مستغرق في باطنه بحيث لايمكن البحث عن المحبوب الا بالمحبوب. في هذا المسعي، كما في هذه العودة يظل الفاعل فيه هو تلك الصورة الباطنة للجمال غير الواقعي، وظلل الجانب المتعالي او السماوي لوجودها. فهي التي تجعله يدرك كل صورة شخصية محسوسة بشبهها، لانها هي التي غشته، قبل أن يكون واعيا بذلك، بوظيفة التجلي. لهذا فان ابن عربي يقول بان المحبوب يوجد ولايوجد فيه في الآن نفسه، وبان قلبه في المحبوب او ان هذا الأخير في قلبه.
إن هذا التبادل لايفعل سوي أن يعبر عن الجانب المعيش من 'سر الربوبية'، ذلك السر الذي هو 'أنت'، كما يتبدي في عبادة العاشق في شكل عبادة تفاعلية، والذي يعني 'إضفاء الطابع الماهوي' بوجوده بكامله والتجلي الذي يمنحه للصورة المحسوسة. لهذا فإن قيمة ووفاء العاشق الصوفي ترتبط 'بقوة الخيال' لديه، فكما يقول ابن عربي ايضا 'المحب الإلهي روح بلا جسم، والمحب الطبيعي جسم بلا روح، والمحب الروحاني ذو جسم وروح'.
الأنوثي الخلاق
لعلنا الآن مدعوون إلي استثمار الدليل الثاني الذي اكتشفناه في التجربة الحكيمية ل'ترجمان الأشواق'. فمن خلال استعمال الخيال الخلاق. ما ينجم عن جدلية الحب في هذا العالم نفسه، اي في مستوي التجليات، هو المصالحة والمواءمة بين الروحاني والجسماني، وتوحيد المحبة الروحانية والحب الجسماني في تجربة واحدة ووحيدة للحب الصوفي. وبهذه المصالحة تتعلق 'رؤية الحق' (بما انه تم تذكيرنا بصريح العبارة بان لا عبادة ولا محبة لإله 'لا نراه'). طبعا، لابتلك الرؤية التي يقال بصددها بان الانسان لايمكنه رؤية الله قبل الموت، وانما بتلك الرؤية التي لايمكن للانسان ان يحيا بدونها. واذا كانت هذه الرؤية هي حياة الانسان لا موته فذلك لانها رؤية الحق المتصلة بكل رؤية صوفية، الحق الحامل للاسم المقابل للإمكان الخاص بالنفس باعتبارها تجليا ملموسا، وليس الرؤية المستحيلة للحق في طابعه المجرد المطلق. تفترض هذه الرؤية وتحين التعلق الابدي بهذا الرب وبالوجود المتصل به الذي من أجله وبه يكون المربوب، بما ان كلية الاسم الإلهي تتضمن المسمي والمسمي، الأول باعتباره مانحا للوجود والثاني باعتباره الكاشف عنه، بحيث يتحولان الواحد بعد الاخر الي الانفعال باعتباره فعلا من الواحد للآخر، اي فعلا يكون تعاطفا ورحمة. أن هذا التعلق، وهذا التوحيد لوحدتهما الثنائية، وللحوار الذي يمنح كلا منهما دوره من الآخر، تخفي هذه الوحدة 'سر' الربوبية، ذلك السر الذي هو أنت (أبو سهل التستري'، والذي يتوجب عليك انت أن تعضده وتغذيه من وجدك الخاص. فالوحدة في هذه المشاركة الوجدانية وفي هذا الوجه المشترك بين الحق وبين من يجعل منه وما له (ومن فيه يكون ربا) تتعلق بإخلاصك في المحبة وبإخلاصك في المشاركة الوجدانية الذي يشكل القري الذي قدمه إبراهيم للملائكة التشخيص الأولي له.
إنه تشخيص أولي، أو بعبارة أفضل، صورة نموذج لم يكن واضحا فيها بعد كيف يمكن للتصوف ان يعيد نسخها، وكيف يفعل كي يكون وجوده ذاته نمنجة وتمثيلا له والدربة علي هذا النمط من الوجود علينا ان نطلبها من علم الحكمة التي تلوح معالمها في استهلاك الديوان الذي يرعي ايقاعه 'ترجمان الأشواق'، والذي يتأكد في الفصل الأخير من كتاب فصوص الحكم امنا المسلك من احدهما للآخر فيتمثل في جدلية الحب، تلك التي انتهينا من تقديم محطاتها الأساس. واذا كانت الألوهة تخضع لوجوب الرؤية في شكل عيني من اشكال الرؤية الذهنية فان من واجب ذلك الشكل ان يقدم الصورة الإلهية لوجوده نفسها. ولا يمكن للأمر إلا ان يتعلق بشهود فعال، اي ان فعاليته تتمثل في مطابقة وجود المشاهد بصورة الوجود الالهي نفسها: ذلك ان المنصوف لايمكن ان يبلغ اسر الذي عليه تقوم الوهة ربه إلا بعد مروره بولادة ثانية.
بيد أن النفس الرحماني الذي يحرر اسماء الله الحسني من عسر وجودها المضمر، هذه الرحمة التي تتحول بذاتها الي جوهر للأشكال التي تجعل من وجودها وجوبا (أي لتلك الاشكال التي تحل بها الأسماء الحسني والتي تمظهر تلك الاسماء)، كل هذا جعلنا نلمس في وجود الالوهة وهي تنركشف، كما في الأسماء الحسني التي تتكشف عنها،
بعدين اثنين: فاعل ومنفعل. من ثم فمن الضرورة أن يقوم الكائن الذي سيكون صورة الحق الكاملة التي ستكشف عنه، الحيازة علي تلك البنية نفسها، أي أن يكون في الآن نفسه انفعال وفعل، متلقيا وخلاقا. ذلكم هو الحدس الذي يتحكم في ملفوظات الفص الأخير من فصوص الحكم، والذي ينتج عنه أن المتصوف يمكنه أن ينال أعلي الرؤي في التجلي الإلهي من خلال تأمل صورة الكيان الأنوثي، لأن التأمل يمكنه أن يمسك بالتجلي السامي للحق أي بالألوهة الخالقة في صورة الأنوثي الخالق.
فحيثما كان توكيد البنية الثنائية للفاعل والمنفعل يفترض تواترا لأسطورة الأندروجين، فإن روحانية متصوفينا يتم توجيهها بشكل عرفاني في الاسلام نفسه نحو الأنوثي الأبدي باعتباره وجودا للألوهة، لأنها تتأمل في ذلك الأنوثي سر النفس الرحماني الذي يعتبر فعل الخلق لديه تحريرا للموجودات وعتقا لها. إن استعادة وتذكر الحكمة الأبدية يتعلق هنا بحدس معلن لدي مؤلفينا، أي أن الأنوثي لا يتعارض مع الذكوري تعارض المنفعل مع الفاعل، وإنما باعتباره حاويا وجامعا في ذاته للجانبين المتلقي والفاعل، فيما أن الذكوري لا يمتلك إلا جانبا من الجانبين. يتم الإفصاح عن هذا الحدس بشكل كامل الوضوح في بيتين متكاملي المعني لجلال الدين الرومي:
الحنان والرقة من صفة الإنسان، والغضب والشهوة من صفة الحيوان.
المرأة شعاع الحق لا المعشوق في ذاته، إنها تجل للخالق وليس المقصود هو المخلوقة.
من ثم فإن هذا الحدس الحكمي متناغم تناغما كاملا مع حدس بعض غلاة الشيعة الاسماعيليين منهم والنصيريين، حين يرون في شخص فاطمة الزهراء، باعتبارها 'الأم العذراء' التي تمنح أصلا لسلالة الائمة الصادقين، تجليا للحكمة الأبدية، ووسيطا في عملية الخلق نفسها التي تتغني بها أسفار الأمثال، والتي يلحقون باسمها وفي صيغة المذكر صفة الخلق: فاطمة الفاطر.
إن هذا الحدس الأنوثي الخالق ومن ثم للوجود الأنوثي باعتباره صورة للألوهة الخالقة ليس بتاتا صرحا شهوديا محضا، وإنما هو يصدر عن موطن تجريبي يمكن اكتشافه في تأمل العبارة الشهيرة في التصرف: 'من يعرف نفسه يعرف ربه'. وهذا الرب المخصوص الذي يصل إليه المؤمن بمعرفة ذاته 'أي بمعرفة نفسه باعتبار النفس ذاتا وانفعالا'، كما ذكرنا بذلك آنفا، ليس بالطبع الألوهة في جوهرها المتعالي، بل ولا الألوهة في جوهرها فحسب، وإنما الحق المتجلي بذاته وفي ذاته و 'في روحه' بما أن كل كائن محسوس يتأصل في الاسم الإلهي المخصوص الذي يبين فيه عن أثره باعتباره ربه الخاص. هذا الأصل وهذا الرب هو الذي يصل إليه ويعرفه بمعرفته لذاته، أو علي العكس من ذلك يخطئه بجهله وتجاهله لذاته. وإذن، حين كانت الذات الإلهية تسعي في ما قبل الوجود لأن تكون معروفة، أي تسعي للانكشاف ومعرفة الذات، فإنها كانت تسعي لانكشاف الأسماء الحسني التي كانت لاتزال في حكم اللامعرفة.
وبالشكل نفسه أيضا، حين يصل المؤمن الي معرفة ذاته فإنه يبلغ معرفة أحد الأسماء الحسني التي تشكل ربه الخاص، بحيث إن عالم الأسماء الإلهية يمثل في كليته عالم الذات الذي إليه يسعي حنين الحق الراغب في أن يكون معروفا، والذي يسعي هو بنفسه إليه كما لو كان توقا للعودة للذات، وذلك في حنين المخلوق الباحث عن اسم من أسماء الله الحسني الذي يكشف عنه، وكل هذا بشوق لامتناه وغير قابل للإشباع أبدا.
وهنا نكتشف مع شيخنا السبب الذي من أجله تكون لدي المؤمن هذه المعرفة بالذات، باعتبارها معرفة تجربة لربه، هي نفسها المعرفة التي تكشف له حقيقة الانوثي الخالق، وفعلا، فإن الصوفي إذا كان يدرك النفيس الرحماني الذي كان في الآن نفسه النفس الخالق والمحرر وماهية المخلوقات فذلك يتفكر نفسه في شخص آدم باعتباره ذاته، في مسعاه للرجوع إلي ربه أي في تكشفه لذاته. لقد انبسط حنين وغمة آدم أيضا بعرض وانعكاس صورته الخاصة، التي حين انفصلت عنه واستقلت عنه مثلها مثل المرآة التي تظهر فيها الصورة، كشفت له أخيرا عن نفسه لنفسه. لهذا يعتبر شيخنا انه يمكننا القول بأن الحق أحب آدم بالحب نفسه الذي أحب به آدم حواء، فآدم بحبه لحواء يحاكي النموذج الإلهي فيكون آدم بذلك تخلقا إلهيا. لهذا أيضا فإن الرجل في حبه الروحاني للمرأة 'وقد رأينا سابقا هذا الحب الروحاني' يحب في الحقيقة ربه. وكما أن آدم هو المرآة التي يتأمل فيها الله صورته، والشكل القادر علي ابانة أسمائه، أي أسماء 'الكنز المرصود' في ذات الحق غير المكشوف بعد، كذلك أن المرأة هي المرآة، والمظهر الذي يتأمل فيه الرجل صورته، التي كانت تشكل وجوده الخفي، وتلك الذات التي كان عليه معرفتها حتي يتمكن من معرفة ربه.
ثمة إذن تناظر كامل بين انبساط غمة الحق الذي يمثله النفس الرحماني الموحد والمحرر للمخلوقات، من جهة ومن جهة أخري حواء باعتبارها حنين آدم الذي يقوده نحو ذاته ونحو ربه الذي تكشف له عنه. إنها وساطات ووسيطات متشابهة حيث تكتشف الظاهراتية المقصد الوحيد نفسه. فحين تبلغ الذات الإلهية إذن الكشف التام وتأمل ذاتها فإنها تبلغ ذلك في تلك الطاقة الخلقية أي في الحق المخلوق به، التي هي في الآن نفسه أيضا المادة والماهية الروحية للكائنات، والتي تجعل منه من ثم مالكا للبعد الثنائي الفاعل والمنفعل. بالموازاة مع ذلك. اذا كان ثمة تأمل ثلاثي يمكن للإنسان آدم أن يبحث من خلاله عن معرفة نفسه، ومن ثم عن معرفة ربه، فليس هنالك إلا واحد يمكنه أن يوفر له الصورة الكاملة. ذلك ما يعبر عنه ابن عربي في تلك الصفحة من فصوص الحكم التي أشرنا اليها آنفا والتي حظيت بالأخص باهتمام خاص من شارحي مثنوي لجلال الدين الرومي.

-->--> الانسان 'آدم' يمكنه أن يري ربه في نفسه، مرة باعتباره نفسه ذلك الشخص الذي خلقت حواء منه، فهو بذلك يمسك به ويمسك بذاته أيضا في مظهره الفاعل. كما يمكنه مرة أخري أن يتفكر في نفسه من غير أن يفكر في أن حواء خلقت منه، وفي هذه الحالة يمسك بنفسه في شرطه كمخلوق فقط أي باعتباره كيانا منفعلا خالصا. فهو لا يبلغ في كل مرة إلا معرفة أحادية الجانب لذاته ولربه. ولكي يبلغ الشهود الكامل لكليته باعتباره فعلا وانفعالا، عليه أن يتأملها في كائن تجعل منه راهنيته الخاصة مخلوقا كما تجعله خالقا. وذلكم حال الكائن الأنوثي حواء، باعتباره علي صورة النفس الرحماني، خالقة للكائن الذي منه خلقت. ولذلك السبب يكون الكائن الأنوثي الموجود بامتياز الذي يرتبط فيه الحب الصوفي 'من حيث أنه يربط بين الروحي والحسي عبر التحول المتبادل' بتجل يكون هو التجلي بامتياز.
هذا الاستنباط للأنوثي الخالق، الذي يمكننا فيه التمييز بين الأساس 'التجريبي' لكل حكمة عرفانية، والذي ينجم عنه أن الكائن الانوثي هو التجلي بامتياز، لم يكن له أن يتلاءم بطبيعة الحال مع التفسير التقليدي لقصة آدم. فمتصوفتنا قد انتهوا فعلا إلي التعبير عن الحدث الذي كانوا يحسون به في ذواتهم، عبر الجمع بطريقة جديدة بين الصور الرمزية: ويبدو أن الأمر يتعلق بنقطة هامة في علم النفس الديني تقود هنا إلي تشكيل رباعية. فمقابل الزوج المكون من آدم وحواء سيتعارض معهما الزوج المكون من مريم وعيسي باعتباره مكملا ضروريا. وكما أنه وجدان أنوثي صادر في وجوده عن ذكوري من دون وساطة الأم، أي حواء وقد خلقت من آدم في وضع منفعل بالنظر إلي آدم، كذلك كان من اللازم وجود ذكوري مولود من أنوثي بلا وساطة الأب، وذلكم كان حال عيسي وقد ولد من صلب مريم. ففي شخص مريم يكون الأنوثي قد أصبح محملا بوظيفة خالقة فعالة علي شاكلة الحكمة الإلهية. إن علاقة مريم بعيسي تشكل إذن النمط النقيض لعلاقة حواء بآدم. وهكذا يقول ابن عربي بأن عيسي وحواء 'أخوان'، في حين أن مريم وآدم هما الأبوان. فتبلغ مريم مرتبة آدم، وعيسي مرتبة حواء 'ومن النافل الإشارة إلي مدي بعد هذه النمذجة عن تلك السارية في التفاسير المسيحية'. وما يعبر عن نفسه في هذه الرباعية ' مع التبديل في خصائص الذكوري والأنوثي' هو إذن رمز و'رقم' علم الحكمة الذي علينا تحليله هنا.
وإذن فإن بزوغ هذه الرباعية التي ترسم 'رقم' علم الحكمة، تعلن أيضا عن الاستثمار الأخير لجدلية الحب. فاستبدال صورة حواء بصورة مريم يتحكم فيها بالفعل حدس الأنوثي الفاطر، وهذا الحدس يسم اللحظة التي يكون فيها عنصر الجمال تجليا بامتياز، وتمتد لتغدو إشادة بشكل الوجود الذي أصبح يمتلكه ذاك التجلي، لأنه علي صورة النفس الرحماني الخالق للكائن الذي منه خلقت.
أن يكون الجمال هو التجلي بامتياز، ذلك ما لم يكل التقليد الإسلامي من تكراره، فالله جميل ويحب الجمال، وهذا طبعا مالا يمكننا التحقق منه إلا بالنظر إلي هذا الحب الصوفي الذي حدده وعاشه متصوفتنا، الذين يعني لديهم التوافق بين اللامرئي والمحسوس أن أحدهما يدخل في علاقة رمزية مع الآخر. لهذا يبدو لي باطلا بطلانا فعليا النقد الذي صيغ في حق متصوفة الحب، انطلاقا من نزعة زهدية صماء تجاه هذا التوافق وتلك الرمزية، بحيث إنها لم تجد من تهمة ترميهم بها غير النزعة الجمالية. إن الشتائم التدينية التي أطلقت عداء أو جبنا في حق هشاشة تلك التجليات لا تدل إلا علي شيء واحد هو كم نحن غرباء عن الإحساس المقدس بالجمال الحسي الذي ينادي به مجمل متصوفة مدرسة ابن عربي أو جلال الدين الرومي. وهو احساس جعلهم أيضا بعيدين عن تصور مشهد من قبيل تنزل الحكمة بالأشكال التي منحها لها أنظمة عرفانية أخري.
إن الصورة الانسانية، التي تظهر في شكل محسوس هذا الجمال الذي يعتبر أحد أسماء الله الحسني، محملة بقوة روحانية حقيقية، بما أن سلطتها سلطة روحانية، فإنها بذلك قوة خلاقة. فهي التي تخلق الحب في الانسان، وتوقظ في نفسه الحنين الذي يقوده الي ما وراء مظهره المحسوس، وهي التي تقوده إلي معرفة ذاته، أي معرفة ربه الأعلي وذلك عبر الدفع بمخيلته الفعالة إلي أن تنتج لنفسها ما يسميه شعراء التروبادور ب'الحب السماوي' 'أي الحب الروحاني لابن عربي'. لذلك فالكيان الأنوثي هو كيان خالق لأكمل شيء في الوجود، وبعمله ذاك تكتمل دورة الخلق، أي نفث اسم من الأسماء الإلهية في كائن إنساني يغدو سنده وضامنه و'محبه الأمين' ومن خلال ذلك أيضا لم تعد علاقة حواء بآدم، كما تقدمها التفاسير التقليدية، في مستوي وظيفة التجلي اللصيقة بالكيان الأنوثي. فقد كان علي هذا الأخير أن يبلغ الدرجة التي تخصصها له الرباعية والتي تتبوأ فيها مريم مرتبة الحكمة الفاطرة. ولاشك أننا ندرك هنا معالم حكمة عرفانية مسيحية مختلفة كل الاختلاف عن المسيحية الرسمية التي يقدم لنا التاريخ صورتها. بيد أن هذه المسيحية الأخري هي التي كان العرفان الصوفي في الإسلام بتفهمها وبتمثلها، كما تؤكد لنا ذلك الصفة الممنوحة لصورة الحكمة في 'ترجمان الأشواق': 'الحكمة العيسوية'.
لهذا من المفيد الالتزام بالعلاقة مع مبدأ علم الحكمة الذي يقدم نفسه هنا، باختلافية عميقة. فلأن الجمال يدرك باعتباره التجلي بامتياز، ولأن الكائن الأنوثي يتأمل باعتباره صورة الحلم أو الحكمة الخلاقة، فعلينا، كما ذكرنا بذلك قبل بضعة سطور، ألا ننتظر العثور هنا علي عنصر يشبه سقطة الحكمة بالشكل الذي تظهر فيه في أنظمة أخري للعرفان. ففي العمق، إن تعالق اللاهوت والناسوت، وبالأدق تجسد اللاهوت في الناسوت ليس صادرا أبدا عن فكرة التنزل، وإنما هو يقابل ضرورة باطنية للرحمة الإلهية الساعية إلي الكشف عن وجودها. وليس الإنسان بقادر علي 'تفسير' كيف أن مأساة مغامرتنا الإنسانية تمثل الصروف والعوائق التي تصادفها بسبب ارادة التجلي هذه، أي عبر تفسير كيف أن بني البشر يفضلون جماعة عدم تعين 'لا وجودهم' أي بعبارة أخري لماذا يرفض بنو البشر جماعة اسم الله الذي يسعي لأن يجد فيهم بوتقة وعضوا رحيما.
في كل الأحوال، فإن تجلي اللاهوت في صفات الناسوت لا يتحقق أبدا بالتجسيد في المستوي المحسوس للتاريخ المادي وأحداثه المتعاقبة، وإنما بمعراج للمحسوس إلي مرتبة التجليات سواء أطلقنا عليه أم لا اسم 'الظاهري'. فالغاية من اصطفاء النبي يتمثل في تحقيق ذلك التعالق الذي نجد دلالته في الحب الصوفي باعتباره تعالقا 'بالتحول' بين الحب الجسماني والحب الروحاني. والحدث يتحقق دائما في مستوي الواقع الذي تعتبر المخيلة الفعالة مؤسسة له. إن مجيء النبي هذا الذي ستكون تجربته الشخصية نموذجا للتجربة الصوفية، مطالب إذن بوسم الحدوث المرتقب لهذا الحب الخالص، أي باقامة ما يسميه جلال الدين الرومي في أحد نصوصه الخالدة، بهذه العبارة المذكورة آنفا: 'هام دامي'، أي 'تواطؤا' بين الروحاني والمحسوس، آنذاك، وفي نداء عجيب يقوم النبي في ما قبل الوجود بالمناداة علي الأنوثي 'الروح القدس أو أم المؤمنين حسب المفسرين'. فالجمال ليس إذن وأبدأ هنا 'غواية'. إنه تجل للأنوثي الفاطر، وهذا الأخير ليس بحكمة متنزلة. إن النداء الموجه إلي الانوثي يأخذ بالاحري صيغة نداء لتحويل كل شيء، ذلك أن الجمال هو سبيل الخلاص. وبما أن النبي كان مفتونا به في وجوده ما قبل البشري فقد سعي للخروج من العالم اللامرئي كي يظهر بالشكل واللون الحسيين يواقيت العرفان وعجائب الواقع الحقيقي، هكذا فهم المتصوفة إسلامهم، باعتباره كلية منسجمة وتآلفا 'هام دامي' بين العناصر الروحانية والعناصر الحسية للإنسان، وهو الانسجام الذي يحققه الحب الصوفي باعتباره عبادة تفاعلية.
هذا الامتياز للمؤنث الفاطر باعتباره تجليا للجمال الإلهي سوف يعبر عن نفسه من خلال مفارقات رائعة، فهو سوف يدرك في المستوي الميتافيزيقي للولادة الأبدية للمخلوقات كما في مستوي الولادة الثانية، تلك التي تولد في الكائن المتصوف السر الأعظم لحياته الروحانية من خلال تشكيله وصوغه تبعا لتلك الصورة الامتيازية.
وقد يحدث أن يمسك ابن عربي بوقائع معجمية أو نحوية، من حيث انه لا يعتبرها فقط قضايا لغوية عابرة وإنما تتكشف عن واقع ميتافيزيقي سام، لكي يشغلها مع مصادر فقهية لغوية شخصية جدا، قد تبدو في نظر فقيه اللغة مصادر مضللة، غير انها أقدر علي إدراك الرموز. إنه يلاحظ مثلا أن أحد الأحاديث المروية عن النبي تتعرض فيه القواعد النحوية إلي خرق عظيم: فضدا علي قاعدة أساسية معروفة، يأخذ المؤنث الغلبة علي المذكر في الجملة، فيغدو هذا الأمر منطلقا لملاحظات ستتوسع مع الشراح والمفسرين.

-->--> ويلاحظ ابن عربي أن الكلمات التي تعين الأصل والعلة كلمات مؤنثة. يمكننا ذلك أن تتفق علي أن الجملة كما تمت نسبتها للنبي لأحنة نحوا، ذلك أن النبي كان يرغب بالمقابل في أن يقترح علينا أن الأنوثي أصل لكل شيء. فكل ما هو أصل ومصدر لشيء ما يعين بالأسم 'أم'، وتلكم بامتياز حالة معجمية تكشف عن واقع ميتافيزيقي متعال.
إنه إحساس يفرض نفسه فعلا إذا ما تم الوقوف للتفكر في المصطلح المؤنث حقيقة، الذي يعين الواقع الحقيقي والحقيقة الواقعية والواقع الجوهري، أي بالجملة ما يشكل الجوهر ذاته للوجود، وأصل الأصول وما لا يكون شيء في ما وراءه قابلا للتفكير والاعتقاد. لقد خصص عبدالرازق القاشاني، أحد أبرز وجوه مدرسة ابن عربي، للفكرة التي يوحي بها المصطلح صفحة من الافكار البالغة الكثافة. ويمكننا القول أن تلك الحقيقة باعتبارها فاعلا مطلقا هي 'أب الكل' بيد أنه من الأفضل القول بانها الأم، اذ هي تجمع بين الفعل والانفعال تبعا لما يوحي به اسمها المؤنث، وهو ما يعني أيضا انها تتضمن التوازن والانسجام بين الظاهر والباطن. فهي تكون فاعلا باعتبارها الباطن في كل شكل والمحدد الذي يتحدد في كل محدد تكون هي أصلا له: وهي تكون منفعلا باعتبارها الظاهر والمعلن، ومن ثم المحدد في تلك الصورة المتجلاة أو المظهر الذي يظهرها ويحجبها في الآن نفسه: وبالصورة نفسها فإن كل شكل تجل في نظر العارف يفصح عن البنية نفسها. ويركز ابن عربي ما ترمي له هذه التأملات علي النحو التالي: 'فإن الرجل مدرج بين ذات ظهر عنها وبين امرأة ظهرت عنه..... فكن علي أي مذهب شئت، فإنك لا تجد إلا التأنيث يتقدم عند أصحاب العلة الذين جعلوا الحق علة في وجود العالم.
تعبر الكلمات الأخيرة عن بنية الوجود نسقه منذ أعالي الكيانات السماوية. وهي ستترجم إلي مفارقات بمصطلحات التجربة الروحانية، وهذه المفارقات لن تعمل سوي علي التعبير عن وضعية تقلب الحكاية الأسطورة لآدم وتكملها من خلال عملية القلب هذه. بيد أن آدم الذي أشرنا إليه، هو أولا وقبل كل شيء آدم الروحاني، أي آدم الحقيقي. إنه المرتبة الأولي من الوجود المحدد، أي العقل الأول. أما المرتبة الثانية فتعود للنفس الكلية التي هي حواء السماوية. وهكذا فإن العقل الذكوري الأصلي يوجد بين أنثيين: ذات الحق أو الجوهر الإلهي والنفس الكلية. لكن، من جهة أخري فإن هذا العقل الاول هو المسمي أيضا الروح المحمدي 'أي الجوهر المحمدي الخالص أو الروح القدس أو الملك جبرائيل'. وباعتبار هذا الروح الأول في الخلق فإنه قد خلق في وضعية انفعال محض، ثم منح مبدأ الفاعلية باعتباره نشاطا خالقا. ذلك ما يعنيه جلوسه علي العرش وحمله للأسم الإلهي بامتياز أي الرحمان 'وهو الذي بلور أيضا الاسم المناسب للملائكة: رحمانييل'. بامكاننا إذن التعرف في هذه الملامح المميزة للصورة الأسمي للعقل الأول علي الصورة الأسمي للعالم الإلهي، تلك التي يخفي اسمها كل أسرار الرحمة الإلهية، أعني ملامح الحكمة الفاطرة. وفي السياق نفسه، يحكي عبدالكريم الجيلاني، أحد الاعلام الكبار للتصوف، محاورة في لحظة الشطح يثير خلالها 'الروح المحمدي' أو الملك المسمي روحا، العبارات التي اشارت بها له الذات الإلهية بانها 'أي الحكمة الفاطرة' كانت الواقع الذي رمزت له الصور الأنثوية في الشعر العربي العذري، تلك الصور التي منحت اسمها أيضا للحكمة التي يتغني بها 'ترجمان الأشواق' انها مرة أخري هي التي نتعرف عليها في حديث قدسي ينسب للإمام جعفر الصادق، باعتبارها تلك التي يتوجه لها الأمر الإلهي في صيغة المؤنث 'التجلي الإلهي الأول والحورية الكاملة':
'كوني محمدا، فكانت، إنها علامات دالة لنا علي الطريقة التي تم بها التفكر في تجربة النبي في جانبها 'الحكمي' باعتبارها تجربة نموذجا للتجربة الصوفية.
ذلكم أيضا هو الحدس الأساس الذي يعبر عن نفسه في بيت شهير للحلاج: 'أمي أنجبت أبي، يا للعجب' ان هذا القول الذي يعبر عن سر أصل الموجودات في شكل مفارقة لأنه لا يمكن التعبير عنه بصيغة أخري، تم التعليق عليه من قبل متصوفين اثنين شهيرين من ايران هما فخر الدين العراقي في القرن الثالث عشر والجامي في القرن الخامس عشر. ففي

The Believer's Atheist

NYT: The Believer's Atheist
http://mobile.nytimes.com/article?a=881630&f=28&sub=Sunday


New York Times
OP-ED COLUMNIST

The Believer’s Atheist

Ross Douthat

Josh Haner/The New York Times

Ross Douthat

By ROSS DOUTHAT

Published: December 18, 2011

OF the many remarkable things about Christopher Hitchens, who died on Thursday after one of the most prolific and provocative careers in modern Anglo-American letters, perhaps the most remarkable was how much religious believers liked him.

Not all believers, of course: When Hitchens’s esophageal cancer diagnosis became public last year, the famous atheist took obvious pleasure in quoting the none-too-Christian sentiments that bubbled up on various religious blogs and message boards (e.g., “Who else feels Christopher Hitchens getting terminal throat cancer was God’s revenge for him using his voice to blaspheme him?”). But in the world of journalism, among his peers and competitors and sparring partners, it was nearly impossible to find a religious person who didn’t have a soft spot for a man who famously accused faith of poisoning absolutely everything.

Intellectually minded Christians, in particular, had a habit of talking about Hitchens as though he were one of them already - a convert in the making, whose furious broadsides against God were just the prelude to an inevitable reconciliation. (Or as a fellow Catholic once murmured to me: “He just protests a bit too much, don’t you think?”) This is not a sentiment that was often expressed about Richard Dawkins, Sam Harris, or any other member of the New Atheist tribe. But where Hitchens was concerned, no insult he hurled or blasphemy he uttered could shake the almost-filial connection that many Christians felt for him.

Some of this reflected his immense personal charm, his willingness to debate with Baptists and drink with Catholics and be comradely to anyone who took ideas seriously. But there was something deeper at work as well. American Christian intellectual life is sustained today, to a large extent, by the work of writers very much like Hitchens - by essayists and journalists and novelists and poets, from G. K. Chesterton and C. S. Lewis to W. H. Auden and Evelyn Waugh, who shared his English roots, his gift for argument and his abiding humanism.

Recognizing this affinity, many Christian readers felt that in Hitchens’s case there had somehow been a terrible mix-up, and that a writer who loved the King James Bible and “Brideshead Revisited” surely belonged with them, rather than with the bloodless prophets of a world lit only by Science.

In this they were mistaken, but not entirely so. At the very least, Hitchens’s antireligious writings carried a whiff of something absent in many of atheism’s less talented apostles - a hint that he was not so much a disbeliever as a rebel, and that his atheism was mostly a political romantic’s attempt to pick a fight with the biggest Tyrant he could find.

This air of rebellion did not make him a believer, but it lent his blasphemies an air of danger and intrigue, as though he were an agent of the Free French distributing literature deep in Vichy. Certainly he always seemed well aware of the extent to which his writings traded on the unusual frisson of saying “No!” to a supposedly nonexistent being.

Perhaps he was a little too aware. Like most writers of a religious persuasion I was once enlisted to publicly debate Hitchens, with predictably disastrous results for God. But my strongest memory comes from a Washington dinner party two years ago, when he cornered me in the pantry and insisted on having a long argument about the Gospel narratives. The point he was particularly eager to make was this: “Suppose Jesus of Nazareth did rise from the dead - what would that prove, anyway?”

It’s a line whose sheer cussedness cuts to the heart of Hitchens’s charm. But it also hints at the way that atheism - especially a public and famous atheism - can become as self-defended as any religious dogma, impervious to any new fact or unexpected revelation.

For Hitchens, those defenses stayed up till the end. His last word on the possibility of conversion was at once characteristically dismissive and characteristically protective of his hard-earned reputation as an Enemy of God: “Suppose I ditch the principles I have held for a lifetime, in the hope of gaining favor at the last minute? I hope and trust that no serious person would be at all impressed by such a hucksterish choice.”

In his very brave and very public dying, though, one could see again why so many religious people felt a kinship with him. When stripped of Marxist fairy tales and techno-utopian happy talk, rigorous atheism casts a wasting shadow over every human hope and endeavor, and leads ineluctably to the terrible conclusion of Philip Larkin’s poem “Aubade” - that “death is no different whined at than withstood.”

Officially, Hitchens’s creed was one with Larkin’s. But everything else about his life suggests that he intuited that his fellow Englishman was completely wrong to give in to despair.

My hope - for Hitchens, and for all of us, the living and the dead - is that now he finally knows why.

Unanswerable Prayers

Unanswerable Prayers | Culture | Vanity Fair
http://m.vanityfair.com/culture/features/2010/10/hitchens-201010


Unanswerable Prayers

What’s an atheist to think when thousands of believers (including prominent rabbis and priests) are praying for his survival and salvation—while others believe his cancer was divinely inspired, and hope that he burns in hell? 

Related: The first in the series, “Topic of Cancer,” by Christopher Hitchens.
HE OF LITTLE FAITH
The author at home in Washington, D.C.

When I described the tumor in my esophagus as a “blind, emotionless alien,” I suppose that even I couldn’t help awarding it some of the qualities of a living thing. This at least I know to be a mistake: an instance of the “pathetic fallacy” (angry cloud, proud mountain, presumptuous little Beaujolais) by which we ascribe animate qualities to inanimate phenomena. To exist, a cancer needs a living organism, but it cannot ever become a living organism. Its whole malice—there I go again—lies in the fact that the “best” it can do is to die with its host. Either that or its host will find the measures with which to extirpate and outlive it.

But, as I knew before I became ill, there are some people for whom this explanation is unsatisfying. To them, a rodent carcinoma really is a dedicated, conscious agent—a slow-acting suicide-murderer—on a consecrated mission from heaven. You haven’t lived, if I can put it like this, until you have read contributions such as this on the Web sites of the faithful:

Submit a get well message to Christopher Hitchens.

Who else feels Christopher Hitchens getting terminal throat cancer [sic] was God’s revenge for him using his voice to blaspheme him? Atheists like to ignore FACTS. They like to act like everything is a “coincidence”. Really? It’s just a “coincidence” [that] out of any part of his body, Christopher Hitchens got cancer in the one part of his body he used for blasphemy? Yea, keep believing that Atheists. He’s going to writhe in agony and pain and wither away to nothing and then die a horrible agonizing death, and THEN comes the real fun, when he’s sent to HELLFIRE forever to be tortured and set afire.

There are numerous passages in holy scripture and religious tradition that for centuries made this kind of gloating into a mainstream belief. Long before it concerned me particularly I had understood the obvious objections. First, which mere primate is so damn sure that he can know the mind of god? Second, would this anonymous author want his views to be read by my unoffending children, who are also being given a hard time in their way, and by the same god? Third, why not a thunderbolt for yours truly, or something similarly awe-inspiring? The vengeful deity has a sadly depleted arsenal if all he can think of is exactly the cancer that my age and former “lifestyle” would suggest that I got. Fourth, why cancer at all? Almost all men get cancer of the prostate if they live long enough: it’s an undignified thing but quite evenly distributed among saints and sinners, believers and unbelievers. If you maintain that god awards the appropriate cancers, you must also account for the numbers of infants who contract leukemia. Devout persons have died young and in pain. Bertrand Russell and Voltaire, by contrast, remained spry until the end, as many psychopathic criminals and tyrants have also done. These visitations, then, seem awfully random. While my so far uncancerous throat, let me rush to assure my Christian correspondent above, is not at all the only organ with which I have blasphemed …And even if my voice goes before I do, I shall continue to write polemics against religious delusions, at least until it’s hello darkness my old friend. In which case, why not cancer of the brain? As a terrified, half-aware imbecile, I might even scream for a priest at the close of business, though I hereby state while I am still lucid that the entity thus humiliating itself would not in fact be “me.” (Bear this in mind, in case of any later rumors or fabrications.)

The absorbing fact about being mortally sick is that you spend a good deal of time preparing yourself to die with some modicum of stoicism (and provision for loved ones), while being simultaneously and highly interested in the business of survival. This is a distinctly bizarre way of “living”—lawyers in the morning and doctors in the afternoon—and means that one has to exist even more than usual in a double frame of mind. The same is true, it seems, of those who pray for me. And most of these are just as “religious” as the chap who wants me to be tortured in the here and now—which I will be even if I eventually recover—and then tortured forever into the bargain if I don’t recover or, presumably and ultimately, even if I do.

Of the astonishing and flattering number of people who wrote to me when I fell so ill, very few failed to say one of two things. Either they assured me that they wouldn’t offend me by offering prayers or they tenderly insisted that they would pray anyway. Devotional Web sites consecrated special space to the question. (If you should read this in time, by all means keep in mind that September 20 has already been designated “Everybody Pray for Hitchens Day.”) Pat Archbold, at the National Catholic Register, and Deacon Greg Kandra were among the Roman Catholics who thought me a worthy object of prayer. Rabbi David Wolpe, author of Why Faith Matters and the leader of a major congregation in Los Angeles, said the same. He has been a debating partner of mine, as have several Protestant evangelical conservatives like Pastor Douglas Wilson of the New St. Andrews College and Larry Taunton of the Fixed Point Foundation in Birmingham, Alabama. Both wrote to say that their assemblies were praying for me. And it was to them that it first occurred to me to write back, asking: Praying for what?

As with many of the Catholics who essentially pray for me to see the light as much as to get better, they were very honest. Salvation was the main point. “We are, to be sure, concerned for your health, too, but that is a very secondary consideration. ‘For what shall it profit a man if he gains the whole world and forfeits his own soul?’ [Matthew 16:26.]” That was Larry Taunton. Pastor Wilson responded that when he heard the news he prayed for three things: that I would fight off the disease, that I would make myself right with eternity, and that the process would bring the two of us back into contact. He couldn’t resist adding rather puckishly that the third prayer had already been answered…

So these are some quite reputable Catholics, Jews, and Protestants who think that I might in some sense of the word be worth saving. The Muslim faction has been quieter. An Iranian friend has asked for prayer to be said for me at the grave of Omar Khayyám, supreme poet of Persian freethinkers. The YouTube video announcing the day of intercession for me is accompanied by the song “I Think I See the Light,” performed by the same Cat Stevens who as “Yusuf Islam” once endorsed the hysterical Iranian theocratic call to murder my friend Salman Rushdie. (The banal lyrics of his pseudo-uplifting song, by the way, appear to be addressed to a chick.) And this apparent ecumenism has other contradictions, too. If I were to announce that I had suddenly converted to Catholicism, I know that Larry Taunton and Douglas Wilson would feel I had fallen into grievous error. On the other hand, if I were to join either of their Protestant evangelical groups, the followers of Rome would not think my soul was much safer than it is now, while a late-in-life decision to adhere to Judaism or Islam would inevitably lose me many prayers from both factions. I sympathize afresh with the mighty Voltaire, who, when badgered on his deathbed and urged to renounce the devil, murmured that this was no time to be making enemies.

The Danish physicist and Nobelist Niels Bohr once hung a horseshoe over his doorway. Appalled friends exclaimed that surely he didn’t put any trust in such pathetic superstition. “No, I don’t,” he replied with composure, “but apparently it works whether you believe in it or not.” That might be the safest conclusion. The most comprehensive investigation of the subject ever conducted—the “Study of the Therapeutic Effects of Intercessory Prayer,” of 2006—could find no correlation at all between the number and regularity of prayers offered and the likelihood that the person being prayed for would have improved chances. But it did find a small but interesting negative correlation, in that some patients suffered slight additional woe when they failed to manifest any improvement. They felt that they had disappointed their devoted supporters. And morale is another unquantifiable factor in survival. I now understand this better than I did when I first read it. An enormous number of secular and atheist friends have told me encouraging and flattering things like: “If anyone can beat this, you can”; “Cancer has no chance against someone like you”; “We know you can vanquish this.” On bad days, and even on better ones, such exhortations can have a vaguely depressing effect. If I check out, I’ll be letting all these comrades down. A different secular problem also occurs to me: what if I pulled through and the pious faction contentedly claimed that their prayers had been answered? That would somehow be irritating.

I have saved the best of the faithful until the last. Dr. Francis Collins is one of the greatest living Americans. He is the man who brought the Human Genome Project to completion, ahead of time and under budget, and who now directs the National Institutes of Health. In his work on the genetic origins of disorder, he helped decode the “misprints” that cause such calamities as cystic fibrosis and Huntington’s disease. He is working now on the amazing

وسئل ابن تيمية عن كتاب فصوص الحكم لابن عربي

مجموع الفتاوى/المجلد الثاني/وسئل: عن كتاب فصوص الحكم


[عدل] وسئل: عن كتاب فصوص الحكم

ما تقول السادة العلماء أئمة الدين، وهداة المسلمين: في كتاب بين أظهر الناس، زعم مصنفه أنه وضعه وأخرجه للناس بإذن النبي صلى الله عليه وسلم، في منام زعم أنه رآه، وأكثر كتابه ضد لما أنزله الله، من كتبه المنزلة، وعكس وضد عن أقوال أنبيائه المرسلة، فمما قال فيه: إن آدم عليه السلام إنما سمي إنسانًا؛ لأنه للحق تعالى بمنزلة إنسان العين من العين، الذي يكون به النظر.

وقال في موضع آخر: إن الحق المنزه هو الخلق المشبه. وقال في قوم نوح عليه السلام: إنهم لو تركوا عبادتهم لوَدٍّ، وسُوَاع، ويَغُوث، ويَعوق، ونَسْر، لجهلوا من الحق بقدر ما تركوا من هؤلاء. ثم قال: فإن للحق في كل معبود وجهًا، يعرفه من عرفه، ويجهله من جهله. فالعالم يعلم من عبد، وفي أي صورة ظهر حتى عبد، وإن التفريق والكثرة كالأعضاء في الصورة المحسوسة.

ثم قال في قوم هود عليه السلام بأنهم حصلوا في عين القرب، فزال البعد، فزال مسمى جهنم في حقهم، ففازوا بنعيم القرب، من جهة الاستحقاق مما أعطاهم هذا المقام الذوقي اللذيذ، من جهة المنة، فإنما أخذوه بما استحقته حقائقهم من أعمالهم، التي كانوا عليها، وكانوا على صراط الرب المستقيم.

ثم إنه أنكر فيه حكم الوعيد، في حق كل من حقت عليه كلمة العذاب من سائر العبيد، فهل يكفر من يصدقه في ذلك أم لا؟ أو يرضي به منه أم لا؟ وهل يأثم سامعه إذا كان عاقلًا بالغًا ولم ينكره بلسانه أو بقلبه أم لا؟ أفتونا بالوضوح والبيان، كما أخذ الميثاق للتبيان، فقد أضر الإهمال بالضعفاء والجهال، وبالله المستعان وعليه الاتكال، أن يعجل بالملحدين النكال، لصلاح الحال، وحسم مادة الضلال.

فأجاب:

الحمد لله، هذه الكلمات المذكورة، المنكورة كل كلمة منها هي من الكفر، الذي لا نزاع فيه بين أهل الملل، من المسلمين، واليهود والنصارى، فضلا عن كونه كفرًا في شريعة الإسلام.

فإن قول القائل: إن آدم للحق تعالى بمنزلة إنسان العين من العين، الذي يكون به النظر يقتضي أن آدم جزء من الحق تعالى وتقدس وبعض منه، وأنه أفضل أجزائه وأبعاضه، وهذا هو حقيقة مذهب هؤلاء القوم، وهو معروف من أقوالهم.

الكلمة الثانية: توافق ذلك، وهو قوله: إن الحق المنزه، هو الخلق المشبه.

ولهذا قال في تمام ذلك: فالأمر الخالق المخلوق، والأمر المخلوق الخالق، كل ذلك من عين واحدة، لا بل هو العين الواحدة، وهو العيون الكثيرة {فّانظٍرً مّاذّا تّرّى}، {يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ} ، والولد عين أبيه، فما رأى يذبحسوى نفسه، ففديناه بذبح عظيم، فظهر بصورة كبش، من ظهر بصورة إنسان وظهر بصورة، لا بحكم ولد من هو عين الوالد، {وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا} ، فما نكح سوى نفسه.

وقال في موضع: وهو الباطن عن كل فهم، إلا عن فهم من قال: إن العالم صورته وهويته.

وقال: ومن أسمائه الحسنى العلى، على من ! وما ثم إلا هو؟ وعن ماذا ! وما هو إلا هو؟ فعلوه لنفسه، وهو من حيث الوجود عين الموجودات. فالمسمى محدثات هي العلية لذاتها، وليست إلا هو. إلى أن قال: فهو عين ما ظهر، وهو عين ما بطن في حال ظهوره، وما ثم من يراه غيره، وما ثم من ينطق عنه سواه، فهو ظاهر لنفسه باطن عنه وهو المسمى أبو سعيد الخراز وغير ذلك من أسماء المحدثات.

إلى أن قال: فالعلى لنفسه هو الذي يكون له الكمال، الذي يستغرق به جميع الأمور الوجودية، والنسب العدمية، سواء كانت محمودة عرفًا وعقلًا وشرعًا، أو مذمومة عرفًا وعقلًا وشرعًا، وليس ذلك إلا لمسمى الله خاصة وقال: ألا ترى الحق يظهر بصفات المحدثات؟ وأخبر بذلك عن نفسه، وبصفات النقص والذم، ألا ترى المخلوق يظهر بصفات الحق؟ فهي من أولها إلى آخرها صفات له، كما هي صفات المحدثات حق للحق، وأمثال هذا الكلام.

فإن صاحب هذا الكتاب المذكور الذي هو فصوص الحكم وأمثاله مثل صاحبه القونوي، والتلمساني، وابن سبعين، والششتري، وابن الفارض وأتباعهم، مذهبهم الذي هم عليه: أن الوجود واحد، ويسمون أهل وحدة الوجود، ويدعون التحقيق والعرفان، وهم يجعلون وجود الخالق عين وجود المخلوقات، فكل ما يتصف به المخلوقات من حسن، وقبيح، ومدح، وذم، إنما المتصف به عندهم عين الخالق، وليس للخالق عندهم وجود مباين لوجود المخلوقات منفصل عنها أصلا، بل عندهم ما ثم غير أصلا للخالق، ولا سواه.

ومن كلماتهم: ليس إلا الله. فعباد الأصنام لم يعبدوا غيره عندهم؛ لأنه ما عندهم له غير، ولهذا جعلوا قوله تعالى: {وَقَضَى رَبُّكَ أَلاَّ تَعْبُدُواْ إِلاَّ إِيَّاهُ} بمعنى: قدر ربك ألا تعبدوا إلا إياه، إذ ليس عندهم غير له تتصور عبادته، فكل عابد صنم إنما عَبَدَ الله.

ولهذا جعل صاحب هذا الكتاب عُبَّاد العجل مصيبين، وذكر أن موسى أنكر على هارون إنكاره عليهم عبادة العجل. وقال: كان موسى أعلم بالأمر من هارون؛ لأنه علم ما عبده أصحاب العجل؛ لعلمه بأن الله قد قضى ألا يعبدوا إلا إياه، وما حكم الله بشيء إلا وقع، فكان عتب موسى أخاه هارون، لما وقع الأمر في إنكاره، وعدم اتباعه، فإن العارف من يرى الحق في كل شيء، بل يراه عين كل شيء.

ولهذا يجعلون فرعون من كبار العارفين، المحققين، وأنه كان مصيبًا في دعواه الربوبية. كما قال في هذا الكتاب: ولما كان فرعون في منصب التحكم صاحب الوقت، وأنه جار في العرف الناموسي لذلك، قال: {أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلَى} أي: وإن كان الكل أربابًا بنسبة ما، فأنا الأعلى منهم، بما أعطيته في الظاهر من الحكم فيهم.

ولما علمت السحرة صدق فرعون فيما قاله، لم ينكروه، بل أقروا له بذلك وقالوا له: {فَاقْضِ مَا أَنتَ قَاضٍ} ، فالدولة لك، فصح قول فرعون: {أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلَى} وأنه كان عين الحق.

ويكفيك معرفة بكفرهم: أن من أخف أقوالهم أن فرعون مات مؤمنا، بريا من الذنوب كما قال: وكان موسى قرة عين لفرعون بالإيمان، الذي أعطاه الله عند الغرق، فقبضه طاهرًا مطهرًا، ليس فيه شيء من الخبث؛ لأنه قبضه عند إيمانه قبل أن يكتسب شيئا من الآثام، والإسلام يَجُبُّ ما قبله.

وقد علم بالاضطرار من دين أهل الملل المسلمين، واليهود، والنصارى: أن فرعون من أكفر الخلق بالله، بل لم يقص الله في القرآن قصة كافر باسمه الخاص أعظم من قصة فرعون، ولا ذكر عن أحد من الكفار من كفره، وطغيانه وعلوه، أعظم مما ذكر عن فرعون.

وأخبر عنه وعن قومه أنهم يدخلون أشد العذاب، فإن لفظ آل فرعون كلفظ آل إبراهيم، وآل لوط، وآل داود، وآل أبي أوفى، يدخل فيها المضاف باتفاق الناس، فإذا جاؤوا إلى أعظم عدو لله من الإنس، أو من هو من أعظم أعدائه فجعلوه مصيبا، محقًا فيما كفره به الله، علم أن ما قالوه أعظم من كفر اليهود والنصارى، فكيف بسائر مقالاتهم؟

وقد اتفق سلف الأمة وأئمتها على أن الخالق تعالى بائن من مخلوقاته، ليس في ذاته شيء من مخلوقاته، ولا في مخلوقاته شيء من ذاته.


  1. [الصافات: 102]
  2. [النساء: 1]
  3. [الإسراء: 23]
  4. [النازعات: 24]
  5. [طه: 72]

Banning of Coffee During Sultan Murat IV - Blame it on Starbucks !!

Food Stories: The Sultan's Coffee Prohibition

Murad IV was a the sultan of the Ottoman Empire from 1623 to 1640, and a particularly insidious one to boot. He's also a fairly grisly footnote in the history of coffee.

It is said that the Murad often walked the city in disguise in order to hear what the public were saying about him. On his first sojourn into the public, he stopped in a tavern and heard people singing and watched them getting drunk.

He then moved on to a coffeehouse and saw the customers engaging in conversations about the politics, the empire and the sorry state thereof. The coffee drinkers blamed the bad state of the government on the administration and Murad himself. The sultan, clearly concerned, went back to his palace to think upon what he had learned.

His decision? To ban coffee and coffeehouses under the Islamic rule that intoxicants were forbidden.

The cafés in Istanbul were closed and in some cases destroyed. If it was discovered that a person had been drinking coffee, they were beaten. If they were discovered to have consumed coffee a second time, they were sewn into a leather bag and tossed into the Bosphorus (also known as the Istanbul Strait). Murad's despisement of coffee drinkers (and smokers, which was also associated with coffeehouses) was so great that he was known to walk the streets of Istanbul with an executioner, and ordered the beheading of anyone he saw drinking coffee or smoking. It is reported that between 10,000 to 100,000 people were executed during this purge of coffee.

One of the end results of this? The coffee makers and cafés proprietors of Turkey moved out of the country and migrated to places such as Italy, France, Austria and Britain.

The punchline? Murad died at the age of 28. The cause? Alcohol poisoning. It seems that Murad was an alcoholic. Under his reign, Alcohol was technically forbidden, and many drinkers of alcohol were also executed, but Taverns were allowed to stay open while drinkers of coffee were put to death and the coffee industry was forced to immigrate.

فتوى العلامة شيخ الإسلام أحمد بن سليمان بن كمال باشا في حق الشيخ الأكبر ابن العربي الحاتمي

فتوى العلامة شيخ الإسلام أحمد بن سليمان بن كمال باشا في حق الشيخ الأكبر ابن العربي الحاتمي

بسم الله الرحمن الرحيمالحمد لله ولي الصالحين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، إله الأولين والآخرين، وأشهد أن نبينا محمدًا عبده ورسوله سيد الخلق أجمعين، اللهم صلِّ وسلم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه والتابعين, وبعد

 

فتوى العلامة شيخ الإسلام أحمد بن سليمان بن كمال باشا في حق الشيخ الأكبر ابن العربي الحاتمي

إمامِ الثَقَلَيْنِ قاضي العسكر وشيخ الإسلام ابن كمال باشا(873 هـ - 940 هـ)وهو الإمام العالم شمس الدين شيخ الإسلام أحمد بن سليمان بن كمال باشا المعروف بابن كمال باشا زادهواشتهر بابن كمال باشا أو كمال باشا زاده أو ابن الكمال الوزير.كما عرف واشتهر بـ مفتي الثقلين لوسع اطلاعه وعمق إحاطته بالمسائل الشرعية، وقوة محاكمته في المناظرة و خلَّفَ الإمامُ ابنُ كمال باشا -رحمه الله تعالى- تراثاً علمياً عظيماً، خدَمَ به الشريعةَ الإسلاميةَ، وأثرى به المكتبات بذخائرَ وروائعَ قلَّ نظيرُها، وعزَّ مثيلُها، ولم يترك باباً من العلوم إلا ودخلَهُ، ولم يغادر علماً أو فناً إلا وله فيه مصنفٌ أو رسالةٌ، فلا عجبَ أن يفوقَ تعدادُ رسائله ومؤلفاته مائةً وعشرينَ، ما بين متن وشرحٍ وحاشيةٍ ورسالة ونثرٍ، ولم يقتصر فيها على اللغة العربية، بل إنه ألَّفَ وصنَّفَ بالفارسيةِ والتركيةِ أيضاً.ومشهود له بالعلم وسعة اطلاعه وتلقيبه بإمام الثقلينمن جمهور العلماء حتى من بني وهبان (اي عند الطائفة الوهابية ايضاً).وهذه فتوى إمام الثقلين وشيخ الإسلام ابن كمال باشا في الشيخ الأكبر محيي الدين بن عربي الحاتمي الطائي الأندلسيوهي مخطوط من مجموع للإمام ابن كمال باشا رحمه الله

فتوى أحمد بن سليمان بن كمال باشا في حق ابن العربي الحاتمي

فتوى أحمد بن سليمان بن كمال باشا في حق ابن العربي الحاتمي