As-Safir Newspaper - سعيد ناشيد : دفاعاً عن حمزة كشغري: لماذا دمَّرتم قبر الرسول؟
الاسم: حمزة كشغري. السنّ: ثلاثة وعشرون ربيعاً، لكن يُخشى أن يكون آخر ربيعه. المهنة: كاتب مرهف الحس ليبرالي الهوى، هادئ الطبع جريء الطابع. حالته: سجين رأي يواجه خطر الحكم بالإعدام. التهمة: الإساءة لله وللرّسول. التفاصيل: قبل حوالي أسبوع قامت عليه الدنيا في أرض العتمة ولم تقعد، وأصدرت أعلى سلطة دينية في السعودية، وهي اللجنة الدّائمة للبحوث العلمية والإفتاء برئاسة الشيخ عبد العزيز بن عبد الله آل الشيخ، مفتي عام المملكة السعودية، بياناً تكفيرياً يدعو إلى "محاكمته شرعاً". وهو ما يعني إمكانية تطبيق حدّ الردة. الشيخ عائض القرني بدوره أدلى بدلوه مطالباً ولاة الأمر بمحاكمته. وكثير من شيوخ السلفية والوعاظ الاستعراضيين ومن الذين يصطادون في الماء العكر لم يتردّدوا في الدّعوة إلى إهدار دمه، حتى من دون انتظار المحاكمة. ولمّا كثر الهرج والمرج، أصدر ملك السعودية الأمر باعتقاله فوراً.أثناء محاولة إلقاء القبض عليه، نجح في الهرب من السعودية، ولجأ إلى ماليزيا ظاناً أنه نجا بجلده من الأخطبوط الكهنوتي. لكن الشرطة الماليزية "المتعاونة" لم تتردد في تسليمه للسلطات السعودية. وهو الآن رهن الاعتقال في السعودية. التهمة؟.. تهمته أنه كتب مدونة في يوم عيد المولد النبوي، يخاطب فيها الرّسول بالقول: "في يوم مولدك لن أنحني لك، لن أقبل يديك، سأصافحك مصافحة الند للند، وأبتسم لك كما تبتسم لي وأتحدث معك كصديق فحسب.. في يوم مولدك أجدك في وجهي أينما اتجهت، سأقول إنني أحببت أشياء فيك، وكرهت أشياء أخرى ولم أفهم الكثير من الأشياء الأخرى، سأقول إنني أحببت الثائر فيك، لطالما كان ملهمًا لي ولم أحب هالات القداسة، لن أصلي عليك".
هذا كل ما كتبه. لكن، دعنا نتساءل: هل في هذا القول خروج عن صريح الملة؟
يخبرنا القرآن نفسه أن الله غضب مراراً على الرّسول، ولم يتردد في تأنيبه وتوبيخه ولومه بل وحتى تهديده أحياناً. ما يعني أن الرّسول لم يكن فقط غير معصوم عن الأخطاء، لكنه كثيراً ما كان يقع في الأخطاء. فهل في الاعتراف بأن أخطاء وعثرات ونواقص وهفوات الرسول لا تثير الإعجاب، ما يمثل إساءة للإسلام؟ هل سيكون المسلم صادقا مع نفسه ومع الله إن هو قال أن الرّسول عظيم وصادق ومبجل في كل شيء، حتى عندما نهى قومه عن تأبير النخل فكان المحصول صفراً، أو حين (عبس وتولى أن جاءه الأعمى) فكان أن وبّخه الله كما ورد في القرآن؟
من حيث الرّؤية الإسلامية، فإن صديقنا حمزة كشغري لم يخطئ، لم يجانب الصواب، بل لعله أصاب عين الحقيقة الإسلامية: رسول الإسلام نبي غير معصوم، نبي بلا معجزات ولا خوارق، نبي يخطئ حيناً ويصيب حيناً. رسول الإسلام ليس عليه إلا البلاغ المبين.
أما التقديس فهو لا يجوز حصرا إلاّ للذّات الإلهية. وبعد كل هذا، هل نسي الكهنوت الوهابي أن قرار مؤسسي المملكة السعودية بتدمير قبر الرسول، لم يكن سوى من باب درء الشرك، ولكي لا يتوجه المسلمون نحو تقديس قبر الرسول على حساب تقديس الذّات الإلهية، والتي هي غاية التوحيد الربوبي؟
وإذاً، أين المشكلة في أن يخاطب صديقنا حمزة كشغري الرّسول كأيها الناس، ويناقشه كأيها الناس، فيقبل منه أشياء تتعلق بالوحي مثلا، ويرفض منه أشياء تتعلق بالطب والزراعة والسلوك اليومي على سبيل المثال؟ أليس الرسول مجرّد إنسان يجتهد ويخطئ؟ ما المشكلة إذاً؟
المشكلة ليست في "الإساءة" لله أو الرسول، كما جاء في دعاوى التكفير. المشكلة باختصار أن صديقنا حمزة كشغري، وهو صاحب الظهر المكشوف، لم يكن سوى كبش فداء لمحاولة التيار الظلامي الانقضاض على التيار الليبرالي المتنامي في السعودية، طمعاً في اجتثاثه.
أملنا في الأخير أن ينتصر التعقل على التطرف، وأن نرى صديقنا حمزة كشغري كما كنا نراه، كاتباً واعداً، يصيب أحياناً ويخطئ أحياناً. وسيتعلم عين الصواب حين نمنحه المجال برباطة جأش وسعة صدر وقدرة على التحاور. وحينها، سندرك أن ما كتبه لم يكن أكثر من خواطر إبداعية ليس عليها من سلطان.