بعد ذلك يأتيك وادي الحيرة، وفيه تصاب بالعمل المتواصل والألم والحسرة. وهنا يكون كل نفَس سيفًا مصوّبًا إليك، وهنا تحمل كل لحظة الأسى إليك، وفيه تكثر الآهات والحركة والآلام، ويكون النهار والليل لا ليلاً ولا نهاراً كذلك، وفيه يتخيل الشخص أنه يقطر دما، لا من السيف، ولكن من جذر شعرة، ويا للعجب! والنار تؤلم رَجل هذا الوادي، فيحترق في الحيرة من آلام هذا الوادي، وعندما يصل الرجل الحيران إلى هذه الأعتاب، يظل في حيرة ويضيع منه الطريق، كما يضيع منه كل ما حصلته روحه من توحيد.
وإذا قيل له: أأنت موجود أم لا؟ ألا يليق بك أن تقول، أموجود أنت أم لا؟ أأنت بين الخلق أم خارج عنهم، أم تتخذ منهم جانبًا؟ أأنت خفي أم ظاهر؟ أأنت فان أم باق، أم كلاهما معًا؟ أم أنك لست الاثنين؟ أأنت أنت، أم أنك لست أنت؟ فإنه يقول: إنني -في الحقيقة- لا أعرف كنهي. كما أنني لا أعرف نفسي، إنني عاشق، ولكن لا أعرف من أعشق(...) فماذا أكون؟ ولكنني لست عالِمًا بعشقي، ولا أعرف أقلبي مليء بالعشق أم أنه خلو منه".