المواجهة

المواجهة

alarabiya.net | Nov 30th -0001

وأعتقد أن المواجهة بين مدرستي العقل والنقل ومحاولة تغليب القطعي على الظني لها جذورها الفقهية في تاريخنا الإسلامي ذلك الجدل الذي أخذ مساحة كبيرة من النشاط الفقهي بين المذاهب.

وفي العصر الحاضر ما برحت هذه المواجهة قائمة، بل تطورت إلى نزال بين الفكر الديني من ناحية والعلمي من طرف آخر، لكن أعتقد أن محاولة وضع المدرستين في موضع التحدي والندية هو بذاته خاطئ، لأن المدرسة العلمية لها مرجعيتها ومقاييسها الخاصة الجميع يعرفها (المراقبة - التصنيف - الموضوعية... وماسوى ذلك)، بين المدرسة الدينية (السلفية تحديدا) في تكوينها تفرد مساحة كبيرة للمجهول والماورائي واللامرئي، والإيمان به من شروط الإيمان العقدي، فبالتالي محاولة وضعهما بموضع الندية هو حتما قياس خاطئ.

وعبر التاريخ على الرغم من المحاولات التوفيقية بين الطرفين مثل رأي الفقيه الشافعي تقي الدين السبكي (ت 756ه) الذي قبل بالحساب لتحري الهلال ولم يشترط الرؤية المجردة فحسب قوله: «إن الحساب قطعي، والشهادة والخبر ظنيان. والظني لا يعارض القطعي، فضلاً عن أن يقدم عليه». فهذا من باب قبول الشهادة فحسب. وحديث (صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته) هو حديث أجنبي عن المسألة.

ولكن لم تحسم هذه المواجهة إلى عصرنا هذا، والرسالة الإعلامية التي تتوارى خلف هذه المواجهة تستبطن رسالة خفية واضحة التحيز لطرف دون الآخر، فهي تضع العلم المتعجرف بأكاديمياته وأدواته وأجوبته القاطعة وعلمائه، في مواجهة مع المؤسسة الدينية التي بالتالي لها أدواتها الخاصة للحصول على الأجوبة، عندما تغرف من إرثها السلفي القديم في التعامل الحذر المتريث مع النوازل والمستجدات، وعبر هذه المواجهة السنوية المتصلة يمرر الإعلام رسالة خفية للمتلقي بالانتصار للعلم دون الطرف الآخر، مع أن الأمر ببساطة هو اختلاف أدوات القياس والاستدلال المتباينة والمرجعيات المختلفة وأي محاولة للخلط بينهما كأننا نقيس قوة زلزال بمقياس درجة حرارة الجسم، عملية الخلط بين الأمور هنا تؤدي إلى إرباك علاقتنا بالصح والخطأ أو باستئثار طرف بالجواب المطلق الصحيح واختطافه لصالحه، بينما نعرف فلسفيا أن جميع الأجوبة تمتلك نسبة من الصحة والخطأ.

سنويا في عالمنا العربي يتم حسم الموضوع عبر مرجعية الإرادة السياسية التي تتبنى رأي طرف دون الآخر. على سبيل المثال دولة عمان حسمت الموضوع منذ منتصف رمضان وأخبرت أن عيدها سيكون يوم الأربعاء بتمام رمضان ثلاثون يوما، واعتمدت في هذا على المقاييس الفلكية.

ومحليا علاقتنا مع المؤسسة الدينية تتسم بالتبجيل والتقدير إضافة إلى كونها مصدرا للشرعية بالنسبة للقرار، فبالتالي سنظل ننتظر خروج مواعيد صيامنا وفطرنا من خلف بوابة هذه المؤسسة ومهما حاولت الجهات العلمية أن تستقوي بالحجة والأرقام، وتجير الموضوع لمواقيتها فإن هذه المحاولات لن تغير من الواقع شيئا إن لم تدخل في باب الهدر وإضاعة الوقت.

*نقلا عن "الرياض" السعودية.

Original Page: http://www.alarabiya.net/views/2011/08/29/164587.html

Shared from Read It Later

Regards,
Walid.