أولو الألباب يعتبرون بالمرآة من اوجه كثيرة، ويكاد حصر تلك العبر يستحيل. ومما يعتبرون به أنهم اذا نظروا فيها شاهدوا حقيقة قوله تعالى: "كل شيئ هالك الا وجهه". وقوله عليه الصلاة والسلام: "الناس نيام فإذا ماتوا انتبهوا". وعلموا ان نسبة المُلك والملكوت في الوجود الى وجه الحي القيوم، نسبة الصورة الداخلة في المرآة الى الصورة الخارجة؛ اذ ليس للملك والملكوت حقيقة الوجود، وإنما وجودهما تابع لوجود الوجه الحق الحقيقي الوجود. فإن بعض الخلق لا بل اكثرهم يظنون أن الموجودات التي يشاهدونها في الدنيا لها وجود حقيقي؛ فإذا بطلت النسبة الحاصلة بين أبصارهم و بين تلك الموجودات المحسوسة، انكشف الغطاء عن أبصارهم وارتفع التلبيس، فانتبهوا من نومهم وعلموا يقينا ان "كل شيئ هالك الا وجهه"؛ اللهمَّ الّا اذا قام موجود أزلاً و أبداً بقيوميته وجهه الباقي، فيكون القائم من موجود الأبدية وجود القيوم و سرمديته - جلّ الواحد القهار - وحينئذ يُنادى الخلقُ من بطنان العرش بقوله تعالى: "لمن الملك اليوم : لله الواحد القهار". و يشاهدون ذلك مشاهدة لا يبقى معها ريب. ومن طالع هذه الألفاظ ولم يقف على حقائق معانيها فليتوقف في الانكار، فوراءها من عجائب الأسرار ما لا يفي بشرحه لسانٌ ولا يُعرب عن حقيقته بيان.