إعادة قتل أبي العلاء المعرّي واستشهاده

فؤاد عبيد حين هوى رأسك على أرض معرة النعمان، تفجّرت ينابيع الدماء من أبياتك وكأنها نزيف أمة لا زالت تُصرّ على محاربة الحياة. درسناك شاعراً يتلمّس موقع الفيلسوف. حفظناك أمثالاً نردّدها كلّما ضاقت بنا السُبل. أعطيناك دائماً مثالاً لاتساع صدر الأمة والدين. ولم نعهدك عرّافاً يقرأ منذ ألف سنة أن التعصب يجافي العقل في كل زمان ومكان. قتيلاً ذهبت ضحية شغفك بالقراءة والكتابة والمعرفة وقاتلك يفخر بأنه لا يقرأ حتى كتاب إيمانه، ولا يدرك عظمة نبيّه. خالف السيرة والسورة ولم يعلم أن الله يهدي من يشاء ولو شاء ربك لجعل الناس أمة واحدة. خالف الكتاب ولم يعرف أن الله قال في كتابه العزيز «إقرأ وربّك الأكرم الذي علّم بالقلم علّم الإنسان ما لم يعلم»، فبدأ بقطع رؤوس أهل القلم. صنّفك من بطانة الحكام وأنت الذي استهلكت ألف حاكم ولا زلت تشعّ كالمنارة منذ رحيلك وحتى الآن. أبو العلاء، على امتداد أرض الأمة العربية تُخالَف المصاحف، تُنهَب المتاحف، تُهدَم الآثار، تُضطهَد الكلمة، يُسجَن الأحرار، يُقتَل المفكرون، يُكفّر الفلاسفة، يُسجَن الشعراء، تُكسَّر أصابع المبدعين، تُقتَلع حناجر الفنانين، تُغتصَب النساء ترهيباً باسم التغيير، فكيف نكون خير أمة أخرجت للناس إذا لم نتعلم كيف نأمر بالمعروف وننهى عن المنكر. انها أزمنة القحط المتكررة حين تضلل الشعوب وتضل طريقها إلى الخلاص. في أزمنة النور إيمان وهداية وحكمة وفكر وانتشار حضاري. وفي أزمنة القحط ضلال وغي وانكسار وافتخار بالجهل المقيم، في أزمنة النور احتمل الفكر العربي وافتخر بالمعتزلة والأشعرية وبعلم الكلام. وفي أزمنة النور احتملت حضارة الإسلام وفاخرت بإبن رشد والفارابي وإبن سينا وإبن خلدون وكل العباقرة وكبار التاريخ العربي والإسلامي، وفي أزمنة القحط حُرقت آثارهم ولو وُجِدوا لسُحلت أجسادهم. في أزمنة النور الفكر نور والعلم نور وفي أزمنة الضلال الفكر عورة والعلم معصية. في زمن النهضة العربية تخرج جيوش الاستعمار وفي زمن التردي تعود مصالح الاستعمار تدبّ كالنعاس تحت جفون الأمة. ونحن اليوم نفتقد العروبة على ضفاف النيل وتعود إلينا رائحة الحاكم زين العابدين تغتال عطر الياسمين. وها أنت يُمرّغ رأسك في التراب. ونحن نقضي عمرنا وطموحنا ان نفض الاشتباك المفتعل بين أنبيائنا في أرض الأنبياء والديانات. فماذا أقول في إعادة اغتيالك وفي يوم استشهادك؟ طوبى لك ولكل الشهداء فمن دمائك ستعود هذه الأمة لتزهر، ولكن حسرتنا أننا لن نرى مواسم الزهر في عمرنا. أبو العلاء سنخفف الوطأ لأن أديم الأرض العربية أصبح من أجسادنا ومن عظمة روح تاريخ أمتنا. فؤاد عبيد http://www.assafir.com/Article.aspx?EditionID=2388&ChannelID=57439&ArticleID=...