من أجل تكريس يوم للصمت والتأمّل :
من طبيعة الإنسان إنكار ما يجهل .
فعلامَ لا ينكر نفسه ؟
ومن جهل الإنسان أنّه يسعى إلى المعرفة بحواسّه الخارجيّة لا غير !
وحواسّه الخارجيّة لا تتعدّى ظواهر الأمور .
وهي محصورة ومحدودة ؛
فكلّ ما تتناوله محصور ومحدود !
وهي خدّاعة ؛
فكلّ ما تحسّه خِداع !!
أمّا الحواسّ التي لا تستند إلى عينين ، وأذنين ، ويدين ، ومنخرين ، ولسان ؛
فهي في عرف الناس أوهام ،
وأضغاث أحلام !!
ولو قلتَ لأحدهم : إنّ له عينًا باطنيةً ، وأذنًا ليست من لحم ودم ،
وإنه بالتأمّل والسكوت يبصر ما لا تبصره العين ،
ويسمع ما لا تسمعه الأذن ؛
لو قلتَ له ذلك : لرماكَ بالطيش والجنون !!
وكيف لمن يبصر ما لا يبصره الناس ؛
ويسمع ما لا يسمعونه ؛
إلاّ أن يكون مجنونًا في عرف الناس ؟
كثرة الكلام ملهاة للفكر .
والبشر يهربون من السكوت والتأمّل !!
فأنّى لهم أن يدركوا الله ؟
والذين ينادون باسم الله من غير أن يدركوه بالتأمّل والسكوت ؛
من غير أن يجدوه في أنفسهم ؛
إنّما ينادون باسمٍ لا مسمّى له !!
ولو أنّ البشر عرفوا الله ؛
لما قسّموه إلى عبرانيّ ،
ومسيحيّ ،
ومسلمٍ ،
وبوذيّ ،
ووثنيّ .
ولماأهرق إنسانٌ دمَ إنسانٍ ،
ولا أبغض إنسانٌ إنسانًا من أجل الله !!
وما انقسم البشرُ مِللًا ونِحلًا إلاّ لأنّهم حاولوا المستحيل ؛
فحدّدوا اللهَ الذي لا يُحدّ بلغاتهم المحدودة ،
وقاسوا ما لا يقاس بمقاييسَ بشريّةٍ أرضيّةٍ !!
وسيبقَوْنَ كذلك إلى أن يدركوا قوّة الفكر ،
وإلى أن يسكتوا متأمّلين ومتفاهمين بالأفكار ، لا بالألسنة !!
ويوم يدرك الإنسان قوّة الفكر ،
ثمّ يستطيع تسييرها حسب هواه ؛
يومئذٍ يصبح في إمكانه أن ينقل الجبال ،
ويحمل البحار على أكفّ الرياح !!
يوم للسكوت :
لو كان ليَ السلطان المطلق في الأرض ؛
لأمرتُ بيومٍ واحدٍ في الأقلّ من كلّ سنة ؛
يُكرّسه كلّ شعوب الأرض للسكوت والتأمّل !!
لكنّ هناك أُممًا محنتها الثرثرة ؛
فهذه أٰحتّم عليها الصمتَ شهرًا كاملًا في كلّ عام !!!
ميخائيل نعيمة
( مذكّرات الأرقش ، المجموعة الكاملة ، ٤ : ٣٥٩ - ٣٦٠ )