روّينا عن الشيخ الأكبر سيّدي القطب محيى الدين ابن عربيّ ، قدّسنا الله بسرّه العزيز ،
قال :
أنشدنا أبو عبد الله ابن عبد الجليل ، قال :
أنشدني أبو الحسن علي المسفر بنسبته لنفسه ؛
فذكر له أبياتاً لطيفة في حفظ اللسان ؛
ثمّ قال :
كان هذا الشيخ المسفر جليل القدر ، حكيماً عارفاً ،
غامضاً في الناس ، محمود الذكر ؛
رأيتُه بسبتة ، له تصانيف ؛ منها : " منهاج العابدين "
الذي يعزى لأبي حامد الغزاليّ ؛ وليس له ، وإنّما هو
من مصنّفات هذا الشيخ .وكذلك كتاب " النفخ والتسوية "
الذي يعزى إلى أبي حامد أيضاً ، وتسمّيه النَاسُ : " المصون الصغير " .
ثمّ قال الشيخ الأكبر :
ولهذا الشيخ أيضاً القصيدة المشهورة ؛ وهي هذه :
قل لإخوانٍ رأوني ميتاً
فبكوني إذ رأوني حزنا
أتظنّون بأنّي ميتُكم
لستُ ذاك الميتَ والله أنا
أنا عصفورٌ وهذا قفصي
كان سجني وقميصي زمنا
أنا في الصُور وهذا جسدي
كان جسمي إذ ألِفْتُ السجنا
أنا كنزٌ وحجابي طِلْسَمٌ
من ترابٍ قد تخلّى للفنا
فاهدموا البيتَ ورضّوا قفصي
وذروا الكلّ دفيناً بيننا
وقميصي مزّقوه رمماً
وذروا الطِلْسمَ بعدي وثنا
لا ترُعْكم هجمة ُالموت فما
هو إلاّ نُقْلةٌ من ههنا
فحياتي وسَنٌ في مقلتي
خيبةُ الموتِ تُطير الوسنا
لا تظنّوا الموتَ موتاً إنّه
لحياةٌ هي غايات المُنا
فاخلعوا الأجسادَ عن أنفسكم
تُبصروا الحقّ جِهاراً بيّناً
حسّنوا الظنّ بربّ راحمٍ
تشكروا السعي وتأتوا أمنا
ما أرى نفسيَ إلاّ أنتمُ
واعتقادي أنّكم أنتم أنا
عنصر الأنفس شيئٌ واحدٌ
وكذا الجسم جميعاً عمّنا
فمتى ما كان خيراً فلنا
ومتى ما كان شرّاً فبنا
أشكر الله الذي خلّصني
وبنى لي في المعالي ركنا
فأنا اليوم أُناجي ملأ ً
وأرى الحقّ جِهارا علنا
عاكفٌ في اللوح أقرا وأرى
كلّ ما كان ويأتي ودنا
وطعامي وشرابي واحدٌ
وهو رمزٌ فافهموه حسنا
ليس خمراً سائغاً أو عسلاً
لا ولا ماءً ولكن لبنا
هو مشروب رسول الله إذ
كان يسري فطره مع فطرنا
فافهموا السرّ ففيه نبأ
أيّ معنىً تحت لفظٍ كمنا
قد ترحّلتُ وخلّفتُكمُ
لستُ أرضى دارَكم لي وطنا
فخذوا في الزاد جُهداً لا تنَوا
ليس بالعاقل منّا من ونا
أسأل الله لنفسي رحمةً
رحم الله صديقاً أمّنا
وعليكم من سلامي صيّبٌ
وسلامُ الله بدءاً وثنا
اهـ من " محاضرة الأبرار ومسامرة الأخيار " ( ١: ٢٢٣ -٢٢٥ ) .