مستقبل اللغة العربية
مقتطفات من مقابلة كانت قد أجرتها مجلة الهلال المصريّة مع جبران خليل جبران حول مستقبل اللغة العربية.
(1) ما هو مستقبل اللغة العربية .
إنّما اللغة مظهر من مظاهر الابتكار في مجموع الأمة ، أو ذاتها العامّة ، فإذا هَجَعت قوّة الابتكار ، توقَّفت اللغة عن مسيرها ، وفي الوقوف والتقهقر الموت والاندثار .
اذاً فمستقبل اللغة العربيّة يتوقّف على مستقبل الفكر المبدع الكائن – أو غير الكائن – في مجموع الأمم التي تتكلّم اللغة العربيّة . فإنْ كان ذلك الفكر موجوداً ، كان مستقبل اللغة عظيماً كماضيها ، وإن كان غير موجود ، فمستقبلها سيكون كحاضر شقيقتيها السريانيّة والعبرانيّة .
وما هذه القوّة التي ندعوها قوّة الابتكار ؟
هي ، في الأُمّة ، عزم دافع إلى الأمام ، وهي ، في قلبها ، جوع وعطش وتوق إلى غير المعروف ، وفي روحها ، سلسلة أحلام تسعى إلى تحقيقها ليلاً ونهاراً ، ولكنّها لا تحقّق حلقةً من أحد طرفيها إلا أضافت الحياة حلقة جديدة في الطرف الآخر .
هي ، في الأفراد ، النبوغ ، وفي الجماعة ، الحماسة ، وما النبوغ في الأفراد سوى المقدرة على وضع ميول الجماعة الخفيّة في أشكال ظاهرة محسوسة . ففي الجاهليّة كان الشاعر يتأهَّب لأن العرب كانوا في حالة التأهّب ، وكان ينمو ويتمدّد أيّام المخضرمين لأنّ العرب كانوا في حالة النمو والتمدّد ، وكان يتشعَّب أيّام المولَّدين ، لأنّ الأُمة الإسلامية كانت في حالة التشعّب . وظلّ الشاعر يتدرّج ، ويتصاعد ، ويتلّون فيظهر آناً كفيلسوف ، وآونة كطبيب ، وأخرى كفلكيّ ، حتّى راود النعاس قوة الابتكار في اللغة العربّية ، فنامت ، وبنومها تحوَّل الشعراء إلى ناظمين ، والفلاسفة إلى كلامِّيين ، والأطبّاء إلى دجّالين ، والفلكيّون إلى منجِّمين .
إذا صحّ ما تقدمَّ كان مستقبل اللغة العربيّة رهن قوة الابتكار في مجموع الأمم التي تتكلّمها ، فإن كان لتلك الأمم ذات خاصة ( ووحدة معنويّة ) وكانت قوّة الابتكار ، في تلك الذات ، قد استيقظت بعد نومها الطويل ، كان مستقبل اللغة العربيّة عظيماً كماضيها وإلاّ فَلا .