قال العلّامة المجتهد ابن حزم في " طوق الحمامة " ( ص : ٢٦٠-٢٦٤ ) :
وأما خبر صاحبنا أبي عبد الله محمد بن يحيى بن الحسين التميميّ ؛؛المعروف بابن الطنبيّ :
فإنّه كان ، رحمه الله، كأنّه قد خُلق الحُسْنُ على مثاله ، أو خُلق مِنْ نفْس كلّ مَنْ رءاه ! لم أُشاهد له
مِثْلاً : حُسْناً ، وجمالاً ، وخُلُقاً ، وعِفّةً ، وتصاوناً ، وأدَباً ، وفَهماً ، وحِلماً ، ووفاءً ، وسؤدداً ، وطهارةً ، وكرماً ، ودماثةً ، وحلاوةً ، ولباقةً ، وإغضاءً ، وعقلاً ، ومروءةً ، وديناً ، ودرايةً ، وحِفظاً
للقرءان ؛ والحديث ؛ والنحو ؛ واللغة . وشاعراً مُفلقاً ، حَسَن الخطّ ؛ وبليغاً مفنّناً . مع حظّ صالحٍ من الكلام والجدل !!
قال : وكنتُ أنا وهو مُتقاربين في الأسنان . وكنّا أليفين لا نفترق ، وخِدْنين لا يجري الماء بيننا إلاّ صفاءً !!
ثمّ ذكر قصّةَ تغرّبه عنه ، ووصول نعيه إليه ، وأنّ المصعب بن عبد الله الأزدي ، المعروف بابن الفرضي ، سأله عن سبب علّته ؛ وهو قد نحُل ، وخفِيَتْ محاسنُ وجهه بالضَنَى ، فلم يبق إلاّ عين
جوهرها المخبَر عن صفاتها السالفة ، وصار يكاد أنْ يُطيّره النَفَس ، وقرب من الانحناء ، والشجا
بادٍ على وجهه ، فقال له :
نعم ! أُخبرك : إنّي كنتُ في باب داري بقديد الشمّاس ؛ في حين دخول عليّ بن حمّود قُرطُبة ،
والجيوشُ واردةٌ من الجهات تتسارب ؛ فرأيتُ في جملتهم فتىً لم أُقَدّرْ أنّ للحُسن صورةً قائمةً ،
حتّى رأيتُه ؛ فغلب على عقلي ، وهام به لُبّي ؛ فسألتُ عنه ؟ فقيل لي : هذا فلان ابن فلان ، من
سكّان جهة كذا ، ناحيةً قاصيةً عن قُرطُبة بعيدة المأخذ ؛ فيئستُ من رؤيته بعد ذلك . ولعمري يا أبا
بكر ! لا فارقني حُبّه ؛ أو يوردَني رَمْسي !!
قال ابن حزم : فكان كذلك ؛ وأنا أعرف ذلك الفتى وأدريه ، وقد رأيتُه ؛ لكنّي أضربتُ عن اسمه لأنّه قد مات، والتقى كلاهما عند الله عزّ وجلّ . عفا الله عن الجميع !!!