الإمام المجتهد ابن حزم، كتاب طوق الحمامة في الألفة ووالالآف، باب الموت :
وربما تزاید الأمر ورق الطبع وعظم الإشفاق فكان سبباً للموت ومفارقة الدنیا، وقد جاء في الآثار: من عشق فعف فمات فھو شھید. وفي ذلك قطعة، منھا:
فإن أهلك هوى أهلك شهـيدا ً وإن تمنن بقيت قرير عـين
روى هذا لنـا قـوم ثـقـات ثووا بالصدق عن جرح ومين
ولقد حدثني أبو السرى عمار بن زیاد صاحبنا عمن یثق به، أن الكاتب ابن قزمان امتحن بمحبة أسلم بن عبد العزیز، أخى الحاجب ھاشم بن عبد العزیز. وكان أسلم غایة في الجمال، حتى أضجره لما به وأوقعه في أسباب المنیة. وكان أسلم كثیر الإلمام به والزیارة له ولا علم له بأنه أصل دائه، إلى أن توفي أسفاً ودنفاً.
قال المخبر: فأخبرت أسلم بعد وفاته بسبب علته وموته فتأسف وقال: ھلا أعلمتني؟ فقلت: ولم؟ قال: كنت واالله أزید في صلته وما أكاد أفارقه، فما علي في ذلك ضرر. وكان أسلم ھذا من أھل الأدب البارع والتفنن، مع حظ من الفقه وافر، وذا بصارة في الشعر، وله شعر جید، وله معرفة بالأغاني وتصرفھا، وھو صاحب تألیف في طرائق غناء زریاب وأخباره، وھو دیوان عجیب جدا. وكان أحسن الناس خُلقاً وخَلقا، وھو والد أبي الجعد الذي كان ساكناً بالجانب الغربي من قرطبة.